نابلس
توافق اليوم الذكرى السنوية الحادية والعشرين لاستشهاد القسامي المجاهد عثمان عبد القادر قطناني من مخيم “عسكر” للاجئين قرب مدينة نابلس، والذي ارتقى في عملية الاغتيال التي طالت الشيخين جمال سليم وجمال منصور، أثناء تواجده في مكتب الأخير لإجراء مقابلة صحفية بتاريخ 31 تموز/ يوليو 2001.
ولد الشهيد القسامي عثمان في مخيم عسكر للاجئين في السادس عشر من آذار/ مارس 1977، لعائلة متدينة تتمسك بدينها الإسلامي الحنيف، وتعود عائلة قطناني إلى قرية يازور القريبة من مدينة يافا.
وبعد نكبة عام 1948 انتقلت العائلة إلى السكن في مدينة الخليل لما يقرب 12 عاماً، ومن ثم انتقلت إلى منطقة نابلس، واستقرت في مخيم “عسكر” القديم.
والشهيد عثمان له خمسة أشقاء ذكور وشقيقة واحدة، وتسكن عائلته في بيت متواضع، يتكون من ثلاثة غرف ومنافعها، ودرس المرحلتين الابتدائية والاعدادية في مدرسة عسكر التابعة لوكالة غوث اللاجئين، وكان من الطلبة المتفوقين في دراستهم وأخلاقهم.
الحركة الطلابية الإسلامية
انخرط عثمان في الحركة الطلابية الإسلامية، كما تميز نشاطه في الانتفاضة الأولى بكافة فعالياتها، حيث كان نشيطاً في السواعد الرامية لحركة حماس، ومن ثم التحق بجامعة النجاح، ودرس الكمبيوتر في كلية المجتمع التابعة لها، ثم تسلم قيادة الكتلة الإسلامية داخل الكلية مع بعض إخوانه.
وتولى عثمان أيضاً مع بعض إخوانه مسؤولية متابعة الحركة الطلابية الإسلامية في مدارس نابلس، وترك أثره على أجيال الحركة من الطلاب، وكان من بعد ذلك منهم المبادرون والمجاهدون والاستشهاديون، وصاروا يرون فيه قدوة ومثالاً يحتذى به.
وبعد تخرج عثمان منا لجامعة عمل في مجال الصحافة كمصور ومراسل ميداني، ورغم الفترة القصيرة التي عمل فيها بهذا المجال، إلا أنه كان صحفياً صاحب قضية، وبرز تميزه في تغطية أحداث انتفاضة الأقصى، واهتم بحكايات الشهداء والأسرى على وجه الخصوص.
تميز شهيدنا القسامي بحبه للقرآن الكريم، وكان مواظباً على قراءة وسماء القرآن حتى أثناء عمله، فلا تقع عينك عليه إلا وتراه حاملاً للمصحف أو مستمعاً لإذاعة القرآن الكريم.
زاهد في الدنيا
كان عثمان يصوم النهار ويستيقظ قبل الفجر، ويصلي قيام الليل ولا يصلي إلا في المسجد، حتى في عمله كان وقت صلاة الظهر يترك العمل ويذهب للصلاة في المسجد، وكان لا يضجر من أحد وإن طلب منه شيء ولو كان مشغولا، ولا يرفض طلبا لأحد.
كان رحمه الله زاهدا في الدنيا بشكل ملفت للنظر، فكان بينه وبين صلاة الفجر صحبة وعشق، ويحرص عليها في ليالي الشتاء الباردة والماطرة، كما يتسلل نحوها حين كان جنود الاحتلال ينتشرون في الطرقات دون أن يبالي.
ومع أول شبابه التزم بتجربة الإخوان، فكان لا يتخلف عن موعد حركي، ولا يتأخر عن لقاء تربوي، كنت ترى الحزن في عينيه إذا سمع بهموم المسلمين في أرجاء الأرض رغم صغر سنّه.
همّته عالية وولاؤه مطلق، يشارك في جميع النشاطات العامة التي تنظمّها حماس، من مسيراتٍ ومظاهراتٍ ومهرجاناتٍ ومعارض، وهو دوماً من أولئك الذين يحضرون باكراً يساعدون في العمل، وحينما اشتد عوده أصبح واحداً من المشرفين الأساسيين على عمل حماس في مخيم عسكر والمنطقة المجاورة، فراح يبدع ويبتكر ويبثّ الدعوة في كل مكان، وكان من أواخر أعماله معرض (فلسطين في الذاكرة)، الذي يحكي قصة شعب فلسطين، من المجازر والأسر وحتى نماذج البطولة والفداء، وكان المعرض ضخماً ومتنوعاً لم تشهد المنطقة له مثيلاً من قبل.
اعتقل الشهيد عثمان لدى قوات الاحتلال الصهيوني وعمره 12 عاماً لمدة ثلاثة أيام في سجن نابلس، كما اعتقل للمرة الثانية في بداية المرحلة الثانوية حيث حكم عليه بالسجن لمدة 4 شهور كان عمره حينها 16 عاماً. وعرف عنه في سجن مجدو أنه من أصلب الشباب الذين كانوا في سنه وتميز بمواظبته على حفظ القرآن وقراءة الكتب في السجن، بالإضافة انه اعتقل الشهيد في نفس العام لدى أجهزة السلطة لمدة شهر تقريبا.
حكاية الشهادة
كما اعتقلته السلطة للمرة الثانية في ذكرى الأسير الفلسطيني على خلفية نشاطه في معرض يجسد معاناة الأسرى في سجون الاحتلال، وبعد خروجه من السجن لم يمض وقت طويل حتى اعتقل للمرة الثالثة عند سلطة الضفة، وأمضى أكثر من 40 يوما دون زيارة للأهل.
وبدأت حكاية عثمان مع الشهادة منذ مرحلة مبكرة، فقد كان يتمنّاها ويطلبها طوال الوقت، وكان يقلل من ثقل الحياة دائماً، ولم يكن أبداً من أهل الدنيا، المال والنساء وملذات الشباب لا تعني له شيئاً، تعلقه متواصل بالله وبالجنة، ولأجل ذلك سعى نحو العمل الجهادي وانضمّ إلى إحدى المجموعات العسكرية قبل الانتفاضة، دون أن يتمكن من الدخول في مرحلة التنفيذ لأسباب لا تخصّه.
ثم جاءت انتفاضة الأقصى، وكانت له علاقة مع بعض مطاردي القسام، يساعدهم ويقدّم لهم الخدمات المتنوعة، لكنّ شوقه كان أكبر من هذا، وبقي يلحّ على إخوانه حتى تم الاتفاق على أن يقوم عثمان ببذل روحه والقيام بعملية استشهادية، محققاً بذلك الهدف الذي أحبّه دوماً – الموت في سبيل الله أسمى أمانينا- , لكنّ الموعد لذلك لم يحدد في تلك المرحلة.
ولأنّ سعيه كان صادقاً فقد عجّل الله له اللقاء قبل ذلك، واختاره إليه، حيث استُشهد في عملية اغتيال هزّت الدنيا، وشاء الله لعثمان أن ينال الشهادة في تاريخ 31/7/2001 أثناء قيامه بعمله الصحفي، حينما كان يجري مقابلة صحفية مع الشيخين جمال منصور وجمال سليم، حين قصفت الطائرات مكتب الشيخ جمال منصور في لحظة واحدة.
ومن لطائف القدر أنه قبل استشهاده بأيام فقط وفي تشييع الشهيد صلاح دروزة، اختار عثمان عبارة بنفسه كتبت على يافطة في الجنازة تقول: “يا رب خذ لدينك من أنفسنا حتى ترضى”، وكانت عبارة ملفتةً ومميزة، لكنّ قوّتها ازدادت حين استشهد عثمان بعد ذلك.