تعد القرى والأرياف رافداً من روافد المقاومة الفلسطينية، ومورداً مفاجئاً للاحتلال، فربما مساحة القرية الجغرافية وتعدادها السكاني القليل، لا يجعلها محل شك في ممارستها لأعمال المقاومة، لكن بمجرد قيام أبنائها بأعمال فدائية سرعان ما تصبح خارج المجهر، ويفتح الاحتلال عيناه واسعتين كي يراقب حجم المقاومة النابضة بالعنفوان المتصاعد واجتياح تلك القرى بهدف تدمير وسائل المواجهة المعدة هناك.
ومن القرى الفلسطينية النابضة بالحياة قرية (حجة) الواقعة في منتصف المسافة بين مدينتي نابلس وقلقيلية شمال الضفة الغربية المحتلة، وترجع تسميتها إلى اللغة الآرامية ومعناها السوق أو المجتمع، وهذه القرية هي إحدى قرى منطقة جور عمرة والتي تضم قرى كفر قدوم، وجينصافوط، وكفر عبوش، وباقة الحطب، ويمارس سكانها مهنة الزراعة بشكليها النباتي وراعية الحيوانات.
استيطان
وكغيرها من القرى الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة تتعرض أراضي القرية للهجمات الاستيطانية التي تصادر مساحات واسعة من الأرض الزراعية التي ينتفع منها الناس في معاشهم، وذلك بهدف إقامة مستوطنة أو فتح طريق استيطاني، أو للوقاية من هجمات المقاومة المشتعلة في أراضي الضفة الغربية، أو عقاباً للسكان الأصليين الثابتين على الأرض الراسخين في ميدان الوطن.
وفي عام 2019 اقتحمت قوات الاحتلال بمرافقة مركباتها العسكرية وجنودها المدججين بالسلاح أراضي القرية وجرفت حوالي 145 دونماً من الأرض الزراعية بهدف توسعة المنطقة الصناعية في مستوطنة “كرني شمرون”، المحاذية لأراضي القرية المزروعة بأشجار الزيتون المثمرة والتي تعود ملكيتها لخمس عائلات فلسطينية فقدت جزءاً من أراضي نتيجةً لتلك المصادرة.
يشار إلى أنَّ هذه المستوطنة شهدت في العام 2002 عملية للمقاومة الفلسطينية نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأدت إلى مقتل 3 إسرائيليين وجرح 70 آخرين بعد استهداف مجمع تجاري مقام على أرض المستوطنة.
هدم للمنازل
وفي إطار سياسة العقاب الجماعي الذي يمارسه جيش الاحتلال تجاه ذوي المناضلين الذين ينفذون عمليات فدائية ففي عام 2023 أصدرت سلطات الاحتلال قراراً بهدم منزل الأسير يونس هيلان 19 عاما والذي ينسب إليه تنفيذ عمليتين فدائيتين في المنطقة الصناعية في مستوطنة “أريئيل” وفي بلدة الفندق شرق مدينة قلقيلية ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية المحتلة.
وفي أعوام سابقة أخطرت قوات الاحتلال الإسرائيلي خمس عائلات في قرية حجة بقرار محكمة الاحتلال هدم منازلهم بحجة عدم الترخيص في سياسة تمارسها دولة الاحتلال بشكل مستمر في كافة القرى الخاضعة إدارياً لسيطرة الاحتلال بهدف التضييق على السكان ودفعهم للهجرة عن أرضهم وبلادهم إلى مناطق أخرى.
بطل عملية السكاكين
من قرية حجة خرج الفدائي بشار مصالحة 22 عاماً حاملاً سكينه الحاد الذي أعده للقيام بعملية بطولية في مدينة حيفا المحتلة، مصالحة الشاب الذي عرف عنه الابتسامة ومحبة الناس والمحافظة على الصلاة في مسجد القرية وقراءة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار، لم يبد على ملامح ذاك الشاب الجندية ومحبة الانتصار لشعب ما زال تحت الاحتلال.
وصل الشهيد إلى حيفا المحتلة وغرس سكينه الحاد في قلب 12 مستوطناً كانوا بالمكان فقتل واحد وأصاب 11 آخرين، قبل أن يرتقي شهيداً مفارقاً الدنيا التي كانت والدته تستعد للفرحة بزفافه فيها عريساً، غير أنه اختار أن يزف في دار هي خير من الدنيا وما فيها، وأن يكون الحربة التي تشتعل الأرض من تحت المحتلين ناراً ومقاومة.
أرض قرية حجة أنبتت الأبطال والمقاومين كما تنبت الأرض الزرع ثم يحصل الحصاد فتقذف القرية بأبطالها مقاومين يقتحمون حصون الاحتلال المنيعة فيرتقون شهداء مسطرين ملاحم البطولة والفداء.