الكاتب|| باسم نعيم
يقتضي الانتماء للمدرسة “الفرعونية” من منتسبيها، على مدار التاريخ، ألّا يتراجعوا عن غيّهم حتى يبلغوا أعلى درجات الفجور بالإعلان “أنّا ربكم الأعلى”، حتى يكون السقوط، إذا حان وقته، مدويًا وعبرةً لمن يعتبر.
قرار السيد محمود عباس بتشكيل المجلس الأعلى للهيئات والجهات القضائية برئاسته هو الخطوة الأخيرة قبل أن يعلن “أنّا ربكم الأعلى”. نظامنا السياسي الفلسطيني نظام رئاسي – برلماني، يفترض أنّه يقوم على فصل السلطات والتوازن بين مكونات النظام، ولكن السيد محمود عباس رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس السلطة الفلسطينية ورئيس حركة فتح والقائد الأعلى للأجهزة الأمنية، وعيّن رئيس المجلس الوطني بشكل مسرحي مكشوف وعطّل المجلس التشريعي، ولم يبق إلّا القضاء ليعلن سيطرته عليه، رغم عبثه به وبمؤسساته على مدار سنوات.
بالأمس القريب كان قرارًا مشابهًا ينتهك فيه مساحة أخرى من مساحات مجتمعنا الفلسطيني الحر والديمقراطي، حيث أصدر قرار بقانون يتغول فيه على نقابة الأطباء المنتخبة في المحافظات الشمالية، ويكلف عنوةً مجلسًا لإدارتها، متحديًا الإرادة الديمقراطية الحرّة لشعبنا والأجسام المعبرة عن هذه الإرادة، رغم أن البعض، من الطيبين أصحاب النوايا الحسنة، والذين لا يعرفون طبيعة هذه المدرسة، كانوا يتوقعون أن يأخذ خطوة إلى الوراء، ويتراجع عن قراره المجحف في ظل حالة الرفض القوية وغير المسبوقة من جموع الأطباء، دفاعًا عن نقابتهم وحقهم في الاختيار الحر، أو مراعاة للحالة الثورية في مدن الضفة المحتلة وحاجة شعبنا إلى مزيد من الوحدة والتلاحم في مواجهة العدوان الوحشي والعنصري، ولكن هيهات لهم أن يتراجعوا عن غيهم! فهذا هو السلوك المتوقع للطغاة منتسبي المدرسة الفرعونية على مدار التاريخ.
هذا القرار بقانون الأخير، فيما يخص القضاء، هو ضمن المسار الطبيعي في “المدرسة الفرعونية” نحو السيطرة والتفرد والإقصاء، على طريق السقوط الكبير.
السؤال الأهم: هل سيسمح الفلسطينيون أن يجرّنا معه نحو الهاوية ويُغرقنا في بحر الفشل والتشرذم والتفكك، كما فعل مؤسس المدرسة الأول بجيشه؟
إنّ هذه هي فرصتنا جميعا لنرفع صوتنا عاليًا ونقول “لا” كبيرة ومدويّة لهذه الغطرسة. شعبنا العظيم الذي سطر أعظم الملاحم على مدار أكثر من مئة عام في مقاومة الظلم والطغيان بكل أشكاله، لا يليق به أن يقف صامتًا مكتوف الأيدي أمام هذه العربدة.
محمود عباس ليس شخصًا ولكنه منهج ومدرسة لم تجلب لشعبنا إلّا الخراب والدمار والانقسام والتشرذم، فشل فشلًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا واجتماعيًا، نشر الفساد وعزز قادته وغطّاهم، بما فيه أبناؤه وأفراد عائلته، حارب المقاومة واعتقل المقاومين وشارك مباشرة في قتل المجاهدين عبر أجهزة التنسيق الأمني، وآخرها ما يعرضه من خدمات جليلة للاحتلال الصهيوني في ملاحقة ومطاردة مجموعات المقاومة في نابلس وجنين مقابل المحافظة على بقائه.
لم يدفعه الفشل المركب للتوقف للمراجعة، فهذه طبيعة المدرسة الفرعونية، ويفتخر بلقاء مجرمي الحرب بمناسبة وبدون، في الوقت الذي تسيل فيه دماء أبنائنا العزيزة وتتناثر أشلاؤهم وتُنتهك المقدسات وتُهدم البيوت وتُسرق الأرض.
نحن في هذه اللحظة أمام فرصة مهمة ومصيرية للوقوف صفًّا واحدًا في وجه هذه الغطرسة لننقذ ما تبقى من مقدرات شعبنا ونصحح المسار.
كل قوى شعبنا، الفصائل والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة، في المدن والقرى والمخيمات، في الداخل والشتات، بما فيها جزء كبير من أبناء حركة فتح وقيادتها، رافضين وغاضبين من هذا المسار الكارثي ويتطلعون للتغيير، ولكن الرفض والغضب وحده لا يمكن أن يحقق أي إصلاح أو تغيير أو وقف للكارثة الوطنية.
ما نحتاجه فقط هو اللقاء على صعيد واحد لنتوافق على برنامج وطني موحد لإصلاح المسار قبل فوات الأوان. غزة، كعادتها مهدًا للثورة وذخيرتها، ترحب بهذا الاجتماع الوطني التاريخي والمصيري.
إنّ ما هو مشترك أكبر بكثير من مساحات الخلاف، على الأقل فيما يتعلق بكارثية المسار الذي يقوده السيد محمود عباس، يجب أن نعلي شأن فلسطين وثورتها ومقاومتها ومستقبل أجيالها، ولا يجوز أن ننتظر للقدر ليقول كلمته في السيد محمود عباس، وتُفتح عندها السيناريوهات على كل الخيارات، قد يكون بعضها كارثيًا يصعب إصلاحه لسنوات أو عقود.