حسب تصنيفات الجهات الأمنية الصهيونية، فإن ما يجري في فلسطين اليوم لم يبلغ مرتبة أن يسمى “انتفاضة” لأن عمليات المقاومة لم تصاحبها حتى الآن تحركات جماهيرية تنخرط فيها مجاميع بشرية كبيرة، ولكنها وفق نفس التصنيفات تشبه حالة “تمرد” خطيرة، يمكن أن تتحول إلى حالة الانتفاضة، لأكثر من سبب:
أولا ـ أنها تقوم على أكتاف شباب عشرينيين معظمهم غير مؤطرين بتنظيمات تقليدية معروفة، تمتلك سلطات الاحتلال قاعدة معلومات ضخمة عنهم، وتستطيع التنبؤ بما يخططون لفعله، سواء وفق المعلومات المتوفرة عنهم، أو عبر عمليات المراقبة الحثيثة لتحركات عناصرهم، هؤلاء الفدائيون الجدد بلا سجلات “أمنية” وغير معروفين لأجهزة الأمن الصهيونية أو أجهزة أمن السلطة، ولا يعرف أحد كيف ينتقلون من حالة السكون إلى الحركة!
ثانيا ـ دخول ظاهرة جديدة على خط المقاومة، وهو انضمام بعض عناصر الأمن الفلسطيني التابع لسلطة رام الله، وهذا الأمر وإن كان في بداياته إلا أنه يشكل كابوسا يقض مضاجع الأمن الصهيوني، لأن لدى هؤلاء أنواعا من الأسلحة غير موجودة لدى الشباب الآخرين، إضافة إلى أنهم تلقوا تدريبات عسكرية رفيعة المستوى سواء في الداخل الفلسطيني أو لدى “دول الجوار!” وإلى هذا وذاك فقد زرعت هذه الظاهرة نوعا من الشك لدى العناصر الصهيونية المكلفة بترتيب عمليات التنسيق الأمني مع عناصر من سلطة رام الله، حيث بات هؤلاء العناصر مضطرين للتعامل مع عناصر فلسطينية لا يعلمون بالضبط هل هم شركاء أم أعداء، بذرة الشك هذه باتت مسألة مؤرقة لعناصر أمن العدو.
ثالثا ـ رغم الحاجة الدائمة لدى أجهزة أمن الاحتلال لمواجهة المقاومين الفلسطينيين بمنتهى الخشونة والقسوة والإجرام، الأمر الذي يترتب عليه وقوع ضحايا كثر في الجانب الفلسطيني، إلا أن هذا الأمر يثير قلق دوائر صنع القرار الأمني الصهيوني، فهو وإن كان يسجل ك_ “نجاح” على جبهة مقاومة المقاومة، إلا أنه بات سببا لتجنيد مزيد من الشباب الفلسطيني لصفوف المقاومة، حيث تحول “الشهيد” إلى قدوة وأنموذج لكثير من أبناء الشبيبة في فلسطين، ومع كل عملية استشهاد يلاحظ أن تلك المكانة التي يحظى بها الشهيد لدى أهله وأقاربه ومعارفه وحتى عموم أبناء الشعب الفلسطيني، بدأت تجذب إلى دائرتها مزيدا من الشباب الطامحين لتبؤ هذه المكانة، وتلك لحظة تاريخية لافتة في تاريخ الشعب الفلسطيني، إذ أن تحول جحافل كثيرة من شباب فلسطين لمثل هذا النموذج، يعني أن هناك مستودعا لا ينفذ من المقاومة، يرفع من كلفة الاحتلال الصهيوني الذي كان حتى وقت قريب احتلالا مريحا ومربحا، بل إنه اليوم تحديدا لم يعد كذلك، فما بالك حينما يتطور الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك؟