باديء ذي بدء وكما في كل معارك شعبنا سلاماً للشهداء، سلاماً لخازم وعلاونة والونة ومن قبلهم السلام للكوني ومن بعدهم للشبل الفارس ريان سليمان ولكل من ساروا وسيسيرون على هذا الدرب المعبد بالجراح.
السلام لجنين حاضنة القسام وحصن السرايا ودرع شهداء الأقصى، والسلام على نابلس جبل النار وعرين الثوار، وسلاماً على خليل الرحمن وطولكرم الفداء وبيت لحم الأوفياء، وسلاماً للقدس ولغزة وللوطن المحتل عام 1948 ولكل ذرة تراب من وطننا الطاهر الذي يلفظ من رأس ناقورته إلى أم الرشراش الغرباء.
لقد أعادتنا الأحداث الأخيرة في الضفة الغربية إلى ذات الموعد وذات التاريخ قبل 22 عاماً، وتحديداً إلى يوم 28 أيلول عام 2000 يوم دنس الهالك أرئيل شارون وزبانيته المجرمين ساحات المسجد الأقصى المبارك، في ذلك اليوم وقف شعبنا وقفته المشهودة فتقدم فرسانه كما يتقدمون اليوم إلى ساحات الشهادة في انتفاضتنا العظيمة “انتفاضة الأقصى”.
خلقت تلك الانتفاضة لشعبنا أفقا جديدا للحرية والانتصار وفتحت أمامه طريق الأمل التي عبدها مئات الشهداء فكان الجمالين والسركجي والقواسمة والحضيري وبدران وكان ثابت ثابت والكرمي وعبيات وأبو شرخ ويامن فرج وطوالبة وامتدت قافلة الشهداء لتصل قادة شعبنا الياسين وابو عمار وأبو علي مصطفى.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فذات بلدة نابلس القديمة ما زالت تحتضن المطاردين الذين يرفضون أن يلقوا السلاح، ونابلس التي آوت القذافي والحنبلي كانت الصدر الحنون لابراهيم النابلسي ولمصعب اشتية ولكافة المقاتلين.
أما جنين، فقد جرى في نهرها منذ انتفاضة الأقصى ماء كثير لكن الصورة فيها لم تتغير، فما زال الفلسطيني على أرض المخيم يحمل سلاحه ويتربص بعدوه ويستشهد مقبلاً غير مدبر.
نعم، لقد مات دايتون ووقع الفلسطينيون مشروع وحدتهم بالدم الذي يحكم وحده الميدان.
فهذه جنين التي لا تميز بين رصاص أبنائها حين يسير وجهته الصحيحة سواء انطلق من فوهات بنادق أبناء الأجهزة الأمنية أو شهداء الأقصى والسرايا او القسام.
وهذه نابلس التي طالما خرجت في وداع البدوي والسركجي وحلاوة وأبو هنود تخرج اليوم لتدافع عن أبطالها أسود العرين.
لقد أعادنا أبو رعد الخازم وهو يودع أبناءه شهيداً تلو شهيد إلى سكة الأمل من بعيد، كلماته بعثت فينا كل أيام الكرامة، نعم هكذا ربى قدامى مقاتلي شعبنا أسوداً يمثلون حقيقة الجيل الجديد.
وابو رعد الذي يمثل الضمير الفلسطيني هو الثابت في معادلات شعبنا وما سواه من بذور غريبة تذهب بها كما جاءت بها الرياح.
إن الأيام المجيدة التي صنعتها الدماء الزكية في نابلس وجنين هي ذات الأيام التي عاشتها القدس في معركة البوابات، وهي ذات الأيام التي رفعت غزة فيها رأس الأمة وكل أبنائها يوم استلت سيف القدس وأشرعته في وجوه الغزاة الطامعين.
إننا وأمام بطولة شعبنا الممتدة منذ ثورة البراق مروراً بثورة القسام في أحراش يعبد وانتفاضة الحجر العظيم وهبة النفق وانتفاضتي الأقصى والقدس وليس انتهاء بالتأكيد بثورات نابلس وجنين لنعيش نفحات النصر في ذات المعركة وإن تقلبت فصولها وتعدد أبطالها وتناثرت على الجنبات دماء شهدائها وعذابات أسراها ومتاعب المطاردين الذين نرى نور النصر قد بزغ من فوهات بنادقهم الطاهرة.
فهنيئا لفلسطين بضفتها التي لا تكاد تغادر حتى تعود عكس كل تيار إلى قلب المعركة من جديد، فهنا على أرض نابلس وجنين نكتب مشروعنا الوطني الحقيقي بأيدينا نحن الفلسطينيين، هنا في نابلس وجنين لا نغمض العين عن القدس وصفد وغزة ولا ننسى الوحدات ولا عين الحلوة أو اليرموك.
وقبل الختام، تعالوا يا أبناء شعبنا لنفتح معاً صفحة جديدة، لنضع “نقطة وسطر جديد” على كل الذي فات، ولندفن الشيطان وما يعيش فيه من تفاصيل، تعالوا نتفق على حماية ما تبقى من هذا الشعب، تعالوا نحمي المقاومة ونحتضن المطاردين، هؤلاء هم شرفنا وبوصلتنا وكرامتنا، دمهم ليس بالأحمر ولا الأخضر ولا الأسود ولا الأصفر، دمهم كل ذلك دمهم فلسطين، فويل لنا إن سفكناه بإدامة الخلاف والاختلاف.
أما الختام، فرسالة حب ووفاء للخازم المقدام والد الشهداء، ورسالة حب ووفاء لكل مطارد مقدام يحمل روحه على كفه وبندقيته على كتفه، وقد اختار أن يسبح عكس التيار ليوقظ في قلوبنا من جديد مشروع تحرير فلسطين.