ما يزال وزير الأمن الصهيوني إيتمار بن غفير مندفعًا في فرض سياسات قمعية جديدة تطال كل تفاصيل المشهد الفلسطيني، وملوّحًا بقبضته الباطشة في كل اتجاه، مهددًا ومتوعدًا بالمزيد من إجراءات قهر الفلسطينيين، على صعيد هدم البيوت، وتوسيع الاستيطان، وتدنيس المسجد الأقصى، والتعامل الدموي مع المقاومين وحاضنتهم ودائرتهم الجغرافية، وصولًا إلى هجمته الرعناء والهوجاء على الأسرى الفلسطينيين.
يسعى بن غفير إلى فرض معادلة جديدة في فضاء الأسر وواقعه، عنوانها قهر الأسير وتضييق عالمه وإحكام الخناق عليه ومضاعفة عقوبته، حتى وهو داخل سجنه، وتجريده من أي مكتسبات حققها عبر نضال الحركة الأسيرة المضني، والمتوارث، والمتراكم، الذي بدأ مع بداية الاحتلال وإنشاء السجون، أي أن تطبيق سياسات الوزير الأهوج داخل السجون من شأنها أن تعيد الأسرى عقودًا إلى الوراء، وتنسف كل ما حققوه من إنجازات عبر كفاحهم الطويل، الذي دفعوا فيه دماء وأعمارًا كثيرة من الأسرى.
في مجتمع صهيوني متطرف، يحلم بن غفير بأن يكون رمزًا لنزعة التطرف هذه، وأن يحظى بتصفيق الجمهور الصهيوني ومباركته، وأن يجلب لهم الأمن والهدوء عبر ردع الفلسطيني وترهيبه وتسكين حركته وتكسير طموحه، بالرغم من أن الخطوات الأولى لوزير الأمن هذا في حكومة كيانه قد أفضت إلى تصاعد في عمليات المقاومة، وبعضها في عمق الكيان، وتثوير إرادة المقاومة في نفوس الشباب بدلًا من إخمادها، وغدت القدس عنوان المواجهة بدل أن تكون ساحة ساكنة تستسلم لإجراءات التهويد والتضييق والمصادرة والهدم.
على صعيد السجون، لن يكون الواقع مختلفًا، ولعلّ إدارة السجون الصهيونية تدرك أبعاد المساس بمعادلة السجون جيدًا لكونها صاحبة الاختصاص، والمطّلعة على تفاصيل الواقع وحدوده وخطوطه الحمراء في السجون، ولذلك تبدو أكثر الجهات ضيقًا وتخوفًا من إجراءات بن غفير، وتحذيرًا مما يمكن أن يفضي إليه إعلان الحرب على الأسرى، حتى وهي تعلن البدء في تنفيذ خطوات بن غفير.
لا يعني هذا أن إدارة مصلحة السجون تميل إلى الإبقاء على مكتسبات الأسرى، لكنها تدرك فداحة الثمن الذي ستدفعه إذا انفلتت الأمور داخل السجون وصار التصعيد سمة غالبة على سلوك الأسرى، ونسفت المعادلة القائمة، وهي معادلة دقيقة للغاية، ونجح الأسرى حتى الآن في قطع الطريق على أي محاولة للعبث بها.
لم يتأخر ردّ الأسرى الفلسطينيين على هذه السياسات، فقد أصدرت لجنة الطوارئ العليا للحركة الأسيرة بيانًا حاسمًا أعلنت فيه “الشروع بسلسلة خطوات تبدأ بالعصيان وتنتهي بالإضراب المفتوح عن الطعام في الأول من رمضان القادم، ردًا على تغول الاحتلال على الأسرى وحقوقهم”، فالحركة الأسيرة التي خاضت نضالات تاريخية ضد السجان في عهد كل الحكومات الصهيونية، لن يُعجزها إعلان العصيان ومجابهة إجراءات الوزير الجديد الأرعن والمهووس بالتهديد وبيع الوهم لجمهوره، ومع الوقت سيجد نفسه أمام حقيقة مغايرة لكل تصوراته الحالمة، فالواقع غير الشعارات، فكيف حين يكون خصمه في الميدان هم الأسرى؟ أي نخبة المجتمع الفلسطيني في التضحية والإقدام والشجاعة، وكيف حين يجعل ظهرهم للجدار ويجبرهم على خوض معركة مصيرية لا يخشون فيها من أي خسائر؟ ثم كيف حين يكون المساس بهم كفيلًا بمدّ كرة النار إلى خارج أسوار السجون وإشعال الميدان؟ وتلك ليست تكهنات بلا أساس، فمُعطيات المواجهة على الأرض تقول هذا على الأقل، منذ تشكيل هذه الحكومة، وبدء مراهقات وزرائها وتنافسهم في الجعجعة والتهديد.