أحسنت القوى الفلسطينية صُنعًا حين أكدت من خلال تظاهرة شعبية نظمتها في ميناء غزة البحري، الحق الفلسطيني في الغاز الطبيعي الموجود قبالة سواحل غزة، حيث تأتي المطالبة الفلسطينية في ظل مخططات إسرائيلية بمضاعفة جهودها لسرقة الغاز الفلسطيني وتصديره للاتحاد الأوروبي وسط أزمة طاقة هي الأسوأ منذ عقود تشهدها أوروبا في ظل توقف شريان الغاز الروسي الذي يمد أوروبا بالطاقة مع مواصلة الحرب الروسية الأوكرانية للشهر السابع على التوالي.
توقيت مطالبة الفصائل الفلسطينية بحق الشعب الفلسطيني في غاز شرق المتوسط يتزامن مع وصول أزمة الطاقة العالمية إلى مستويات قياسية، ما يعني أن المقاومة الفلسطينية في غزة اليوم باتت حجر عثرة أمام استفادة الاحتلال من الغاز الفلسطيني المنهوب، وعائقًا حقيقيًّا أمام مخططات سرقة وتصدير هذا الغاز إلى أوروبا من خلال الأراضي المصرية وفق مذكرة التفاهم التي وقعها الكيان مع مصر والاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي بهدف استخراج وتصدير الغاز الفلسطيني المنهوب إلى أوروبا.
إثارة قضية الغاز الفلسطيني المنهوب ليست بمنأى عن الملفات التي بحثتها حركة حماس مع وزير الخارجية الروسي خلال زيارتها الأخيرة إلى موسكو، حيث أكدت حماس في بيان إعلامي أن موضوع “حق الشعب الفلسطيني في ثرواته الطبيعية وخاصة الغاز” كان حاضرًا على طاولة المباحثات، ما يشير إلى وجود مصالح مشتركة في ملف الغاز بين المقاومة الفلسطينية والجانب الروسي، فالمقاومة تسعى لمنع الاحتلال من سرقة الغاز الفلسطيني، فيما ترى روسيا أن تصدير الاحتلال للغاز الفلسطيني لأوروبا سيحُد من خطوتها العقابية ضد أوروبا، ويقلص من تأثيرات قرارها إغلاق خط “نورد ستريم 1” الذي يوفر الغاز الروسي لدول أوروبا خاصة مع دخول فصل الشتاء المقبل.
وبالحديث عن سرقة الاحتلال للغاز الفلسطيني لا بد أن نستحضر نبذة معرفية عن هذا الغاز المنهوب، والذي تم اكتشافه قبالة سواحل غزة قبل أكثر من عقدين من الزمن، فبحسب تحقيق استقصائي نشرته قناة الجزيرة الفضائية منتصف أبريل 2019م حول غاز غزة ضمن برنامج “ما خفي أعظم”، فإن غاز غزة يتسم بالنقاء والقرب من الشاطئ ما يعني سهولة وانخفاض تكاليف استخراجه وارتفاع عوائده المالية والتي تُقدَّر بحوالي 4.5 مليار دولار سنويًّا لمدة خمسة عشر عامًا، وهي ثروة فلسطينية تمكن الاحتلال من سرقة كميات كبيرة منها قُدرت بنحو 1.5 تريليون قدم مكعب من الغاز الفلسطيني المنهوب وبيعه كذبًا على أنه غاز إسرائيلي.
جريمة الاحتلال بسرقة الغاز الفلسطيني قبالة سواحل غزة تم ارتكابها بمساعدة أطراف فلسطينية من بينها محمد رشيد الذي فوضته السلطة الفلسطينية حين كان مستشارًا للراحل باسر عرفات، بتمثيل السلطة في توقيع اتفاقية مع شركة “بريتش غاز” لاستخراج الغاز الفلسطيني قبل أن تتهمه السلطة لاحقًا بالفساد وغسل الأموال ونهب المال العام، ليتبين لاحقًا أن “بريتش غاز” نفسها تآمرت على الفلسطينيين حين دعت الاحتلال للمشاركة في عمليات المسح والتنقيب عن غاز غزة، وهي الخطوة التي مكنت الاحتلال من معرفة ومتابعة أدق تفاصيل حقول الغاز الفلسطينية قبالة سواحل غزة.
ورغم أن التطبيع العربي وهرولة بعض الأنظمة العربية للتعاون في شتى المجالات مع الاحتلال يوفر له مظلة عربية للاستمرار في نهب الثروات الفلسطينية وخاصة غاز البحر المتوسط، إلا أن تمسك الشعب الفلسطيني بحقه في موارده وثرواته الطبيعية، سيسهم في إفشال مخططات الاحتلال بنهب تلك الموارد وفي مقدمتها الغاز، إلا أن إفشال هذه المخططات يتطلب إعدادًا عسكريًا تستطيع من خلاله المقاومة إعاقة جهود الاحتلال باستخراج الغاز من قبالة السواحل الفلسطينية، وهذا بدوره يتطلب تقنيات عسكرية ربما تسعى المقاومة الفلسطينية لامتلاكها بمساعدة عدد من الحلفاء.
ختامًا فإنني أعتقد أن الطريقة الوحيدة التي تُلزم الاحتلال بالتوقف عن نهب الغاز الفلسطيني أو مفاوضة المقاومة الفلسطينية حول ملف الغاز هي إدراكه بوجود إصرار فلسطيني، وتهديد حقيقي يحول دون قدرته على استخراج وبيع الغاز الفلسطيني، وما تهديدات “حزب الله” للاحتلال حول محاولاته سرقة ونهب الغاز اللبناني من حقل “كاريش” عنا ببعيد.