لم يعد الفلسطيني -فرداً ومشروعاً سياسياً- مرئياً لدى الإسرائيلي. إذ بات حضور الفلسطيني في العقل الإسرائيلي ليس إلا كونه تهديداً أمنياً وعقبة أمام التمدد.
حتى على صعيد المصطلحات تمت تصفية الفلسطيني إعلامياً ورسمياً. فالخطابان الإسرائيليان الرسمي والإعلامي مثلاً لم يعودا يعترفان بالضفة (הגדה) فهي يهودا والسامرة (יו”ש). ولا بالفلسطيني فهو “عربي”، يعرَّف هكذا باللغة وبقومية لا تنسبه لها فعلاً بقدر ما تفصله عن فلسطينيته وأرضه.
ومَفارق الطرق بمسماها الاستيطاني لا كما هي معروفة منذ أنشئت؛ مفرق تفوح مثلاً لا زعترة. حتى حين تعرّف قرية لا تنسب إلى المدينة الفلسطينية بل إلى أقرب مستوطنة أو كتلة استيطانية. والأمثلة لا تنتهي.
والكيان السياسي الفلسطيني ليس مطلوباً منه سوى أمرين: تأدية استحقاقات أمنية، و شغل دور الصراف الآلي الموزع لمال الاتحاد الأوروبي المحول.
أما ما فوق ذلك، فقد حسم الإسرائيلي المسألة. ولم يعد في مخيلته مجرد التعاطي معه ولو على سبيل ذر الرماد في العيون. المسألة ليست لعباً على اللغة فقط، فتصريحات السياسيين علنا بنية ضم الضفة لم تعد أصواتاً خافتة ومحصورة على بضع آحاد. بل صارت تياراً عريضاً.
أما ميزانية الاستيطان هي الأعلى في تاريخ الكيان، وخطة توطين مليون مستوطن جديد. لمعادلة الديموغرافيا في الضفة بعد عشر سنوات قد انطلقت فعلاً. والإجراءات لا تنتهي. تدهمنا هذه الحقائق يومياً ونحن نترجم النص العبري. ونشفق من غياب الصورة أو تغييبها لصالح كومة القضايا اليومية التي تستهلك منا وقتاً هي أدنى مما تستحقه، والله المستعان.