توافق اليوم الذكرى السنوية الـ22 لاستشهاد القسامي المجاهد محمد زياد الخليلي من نابلس، وذلك عقب اقتحام مستوطنة “الحمرا” القابعة على أراضينا المحتلة في غور الأردن في 6 شباط/ فبراير لعام 2002، واشتباكه مع الاحتلال وقتله 4 منهم.
ولد شهيدنا المجاهد بتاريخ 14 كانون الثاني/ يناير 1976، لأسرة مكونة من تسع أفراد تسكن منطقة رأس العين بمدينة نابلس، وقد حمل اسمه المركب “محمد زياد” لكونه أول من رأى النور بعد وفاة شقيقه البكر زياد، وهو في الحادية عشر من عمره، إثر سقوطه عن سطح المنزل.
حافظ على صلاة الجماعة منذ صغره في مسجد صلاح الدين، الذي لا يبعد عن منزله سوى عشرات الأمتار، وهو ذات المسجد الذي تعرف فيه على الكثير ممن كتب الله لهم الشهادة، ومنهم القساميان بشار العامودي وعلي عاصي، والشهيد بكر أبو هواش ومجدي البحش، وكذلك الشهيد معزوز المصري.
رفيق الاستشهاديين
أثرت بيئة المسجد تأثيرا بالغاً في حياته، حيث نهل من هناك تعليمه الديني على يدي مشايخ المسجد الذي كان يعج بأمثاله من الشباب، والذين كان منهم من رافقوه حيا في الدنيا والآن عند ربهم يرزقون كأقربهم إلى قلبه الشهيد القسامي إبراهيم أبو هواش، والاستشهاديان أشرف السيد وحامد أبو حجلة، والشهيد عمر منصور.
ترك مقاعد الدراسة وهو صغير بسبب وفاة والده عام 1991، وأخذ موقعه من المسؤولية بالعمل في مجال الحدادة الخاصة بالشاحنات الكبيرة، فأسبغت على شخصيته القدرة على الاحتمال والمثابرة، وهو ما أكسبه المزيد من الاحترام لدى من عاملهم وعاشرهم.
كان محمد الخليلي متميزاً بخدمة إخوانه وأهل حيه ومدينته في صفوف حركة حماس، التي انضم إليها في بدايات التأسيس، وكان يوزع المواد التموينية على الأسر المحتاجة مع إخوانه، كما كان يخدم إخوانه في المسجد خلال رمضان وليلة القدر طمعا في الأجر من الله.
أما نشأته فكانت في مسجد صلاح الدين الأيوبي ومساجد رأس العين أحد أحياء نابلس، حيث يسكن وترعرع، ويصفونه إخوانه بأنه كان كثير الصمت هادئ النفس، إلا انه في ذات الوقت شديد المراس غيورا على إخوانه ذو بنية جسدية قوية فهو لاعب كراتيه ويتقن فنون قتال الشوارع، ما ألقى على عاقته مهمة دقيقة حين عهد إليه إخوانه بتنفيذ عملية الحمرا البطولية.
ولم تكن عملية “الحمرا” الأولى التي يشارك فيها شهيدنا بصفوف كتائب القسام، فقد نفذ وإخوانه في ملحمة البدر القسامية انتقاما للشهيد محمود أبو هنود ورفاقه عملية على مدخل المستوطنة، حين فجروا حافلة صهيونية عبر عبوة موجهة، ما أدى حينها حسب اعتراف العدو الى إصابة سبعة مغتصبين بجراح خطرة.
انضمامه للقسام
انضم محمد زياد الخليلي إلى صفوف القسام في وقتٍ مبكر، وانضم أيضاً لصفوف الجيش الشعبي عام 1996 وذلك بعد أحداث النفق، ورغم إصابته بمرض الكلى واليرقان، إلا أنه عمل على تقوية بنيته الجهادية، وانضم إلى أحد مراكز الكارتيه، ليحصل على “الدان” الثانية في قتال الشوارع.
اعتقل أول مرة لدى أجهزة السلطة في أوائل شباط 1996م في سجن نابلس المركزي، مع نحو 120 من إخوانه أبناء حركة حماس، قبل أن يقسموهم إلى جزأين الأول في “سجن جنيد” والباقي في نابلس.
واتهمته أجهزة أمن السلطة بنيته تنفيذ عملية استشهادية انتقاما لاغتيال الشهيد المهندس يحيى عياش، ولكونه أميراً للطعام في المعتقل تنافس مع أخيه الشهيد عمر منصور على خدمة إخوانه، وبعد عام من الاعتقال أطلق سراحه ليعود بإرادته القوية على مواصلة الجهاد والاستشهاد، فأرسلت له السلطة استدعاء بعد ورود معلومات استخبارية عن عملية استشهادية لحركة حماس سيكون محمد منفذها.
في 1/1/2001 كانت كتائب القسام تحضر لعلمية استشهادية مزدوجة في مدينة “أم خالد” –نتانيا- بطليها الاستشهاديان القساميان حامد أبو حجلة ومحمد زياد الخليلي وهما من مدينة نابلس، وصل حامد أبو حجلة إلى هدفه وسارت خطته، أما محمد الخليلي فبعد أن وصل إلى مدينة جنين حاملا حزامه الناسف وجد إخوانه أن حزامه تعرض لبعض التلف وبحاجة لإعادة تصنيع، ما أدى لتأخره عن موعد العملية وتأجيله إلى موعد آخر.
صاحب ابتسامة عريضة
بعدها بوقت لم يطل، اُعتقل من جديد لدى جهاز الأمن الوقائي في مدينة جنين، بسبب نقله لسيارة مفخخة من منطقة نابلس لمدينة جنين، تمهيدا لإدخالها إلى الداخل المحتل لتنفيذ عملية استشهادية، فأحبط جهاز الأمن الوقائي العملية وتعرض هو لتعذيب شديد لمدة 40 يوما.
وبقى في سجن جنين المركزي لدى أجهزة السلطة لمدة أربعة شهور حتى اغتيال إياد حردان أمام بوابة السجن، حيث تعرض السجن لاقتحام من مواطني المدينة الغاضبين على عملية الاغتيال وأخرجوا كل من كان في السجن، حيث اختفى محمد عن الأنظار لمدة 96 ساعة قبل أن يعود لمنزله في رأس العين.
ويصفه من عاشوا معه بالهدوء المتميز والصمت والابتسامة العريضة، كما وعُرف بقيامة وصومه وزهده، ولإلحاحه الشديد في طلب الشهادة بقي اسمه على رأس قائمة الاستشهاديين القساميين لفترة طويلة وقد وضعته قوات الاحتلال على قائمة الاغتيالات في شهر أغسطس من العام 2001 بعد استشهاد القائدين جمال منصور وجمال سليم بوصفه استشهادي محتمل.
وفي حادثة تدلل على صدق الانتماء وروح التضحية والاستشهاد في قلوب أبناء الحركة الإسلامية وقبل استشهاد القائدين جمال منصور وسليم وإخوانهم بيومين، اجتمع الاستشهاديون القساميون الثلاثة: أشرف السيد منفذ عملية حاجز “الحمرا”، وماهر حبيشة منفذ عملية حيفا، واستشهادينا محمد الخليلي في منزل محمد، وقد أحضروا معهم علبة من الحلوى هدية لمحمد، وكان مما جرى بينهم من حديث: أي منهم سيكون أول الساعين لنيل الشهادة، وطبعاً دون علمهم أنهم سيكونون في صفوف الاستشهاديين في يوم من الأيام، فكان أشرف السيد أولهم.
موعد الشهادة
بعد أن اغتالت قوات الاحتلال القادة الأربعة الشيخ يوسف السركجي ونسيم أبو الروس وجاسر سمارو وكريم مفارجة، كان على كتائب القسام أن ترد الضربة بأخرى مثلها.
وقام القائد المهندس مهند الطاهر بتجهيز محمد الخليلي، وتولى توصيله إلى منطقة قريبة من المغتصبة القسامي المحرر سعيد بشارات من بلدة “طمون” المشرفة على المغتصبة، في أول عملية لاقتحام مغتصبة في الضفة الغربية، لتتوالى بعدها العمليات المشابهة ومن مختلف التنظيمات، وقد أعلنت كتائب القسام مسئوليتها عن العملية كجزء بسيط من الرد على اغتيال الشيخ السركجي وإخوانه ضمن مجموعات سرايا الشهيد السركجي.
في تمام الساعة التاسعة مساءً، كان شهيدنا القسامي محمد الخليلي على موعد مع تنفيذ أول عملية اقتحام لمغتصبة في الضفة الغربية، وقطع أسلاك مغتصبة “حمرا” وتسلل بكل خفة داخلها دون أن يلحظه أي من حراسها.
تقدم محمد الخليلي متوشحاً سلاحه من نوع (أم16) ومجموعة من أمشاط الرصاص، والكثير من الإيمان الذي ملأ قلبه حباً للشهادة، منتظرا أن تحين فرصة اقتحامه، كان المنزل القريب يبعد عنه ما يقارب العشرين متراً، تقدم محمد راكضا إليه، وهناك لمحه أحد الحراس حاول إطلاق النار، إلا أن محمد كان قد استحكم في المنزل دون أن يصاب بأذى، وفي تلك اللحظة كانت أجهزة الإنذار قد ملأت أجواء المغتصبة والأضواء الكاشفة تحاول إضاءة أكبر مساحة من محيطها.
أما عن بطلنا محمد فلم يجد في البيت إلا امرأة وطفلتها، فاعتقلهما في أحد غرف البيت، وصعد إلى داخل “مدخنة” المنزل، وصلت في ذلك الحين وحدة “الكوماندوا” الصهيونية الملقى على عاتقها حماية المغتصبة، وقامت باقتحام المنزل لإفشال العملية، وما أن شعر محمد أن فرصته قد حانت، حتى هوى عليهم من السماء وبدأ بإطلاق النار بشكل عشوائي في كل اتجاه وهو يرى دماء المحتلين تتناثر.
في غضون ذلك، استطاع أحد الصهاينة من تمالك نفسه وإطلاق النار علية ليرتقي شهيدا، بعد أن قتل أربعة صهاينة بينهم ضابط الوحدة، وجرح أكثر من عشرة ما بين خطيرة وطفيفة حسب اعترافات الاحتلال.