توافق اليوم الذكرى السنوية الـ24 لاستشهاد أربعة مقاومين من كتائب الشهيد عز الدين القسام، وذلك بعد محاصرتهم في بلدة الطيبة قرب محافظة طولكرم، في الثاني من آذار/ مارس لعام 2000.
وشهداء كتائب القسام الذين ارتقوا قرب طولكرم، هم: أنور البرعي، ونائل أبو عواد، وعمار حسنين، وإيهاب الحطاب، وجميعهم من قطاع غزة.
أنور البرعي
ولد أنور في آب/ أغسطس 1974 بمخيم جباليا، وعاش في أسرة اكتنفها الحب والتسامح والكرم والعطاء، وكانت أساسه المتين وأرضيته الصلبة للعيش بقيم وفضائل، لازمت سلوكه ووصمت تصرفاته.
تربى أنور في رحاب المساجد بأجواءٍ إيمانية، وشرب المفاهيم والمبادئ الإسلامية التي عصمته من الفساد والانحراف، وجعلت منه نموذجاً للشاب المسلم الملتزم بدينه، وكان محافظاً على أداء الفرائض الخمس في المسجد.
تميز بشخصيته القوية وطبعه الهادئ وتصرفاته الواثقة وسلوكه الحازم، وكان صاحب استقلالية في جميع أموره، ولا يلك أحد التأثير عليه إلا في إطار الحق، وتربطه علاقة وثيقة وطيبة مع أهله وأسرته، فقد كان باراً بوالديه ومطيعاً لهما ويطلب رضاهما ولا يقصر في حقهما على الإطلاق.
وساهمت انطلاقة الشرارة الأولى لانتفاضة الحجارة من مخيم جباليا، بتشكيل وصناعة شخصية أنوار في المجال المقاوم، وتقدم الصفوف الأولى رغم صغر سنة بالحجر والمقلاع، ولم يأبه بقوة الاحتلال وسطوته ما أدى إلى إصابته برصاص الاحتلال خمس مرات، وفي كل مرة كتب له النجاة.
وانتقل أنور إلى أراضي الداخل المحتل الفلسطيني بعد انقضاء عيد الفطر بحوالي ثلاثة أسابيع، بدعوى العمل وطلب الرزق، وبقي هناك حتى نبأ استشهاده برفقة مجاهدين من كتائب القسام في بلدة الطيبة قرب طولكرم.
نائل أبو عواد
ولد الشهيد نائل أبو عواد بتاريخ 27-10-1976م في مخيم جباليا الذي أشعل الشرارة الأولى للانتفاضة الإسلامية المباركة على أرض فلسطين، ونشأ في بيت بسيط لعائلة متواضعة تتألف من خمسة أولاد وثلاث بنات.
ومن أرض مخيم جباليا مارس شهيدنا دوره في مواجهة الاحتلال على قدر الإمكانات التي يسمح بها عمره، ولم يتأخر عن بث غضبه وتفاعلات قلبه وعواطفه في وجه الاحتلال.
عرف الشهيد بحبه الشديد للعلم والتعليم، واشتهر بالمثابرة الدائمة والسعي المتواصل لتحصيل أكبر قدر ممكن من المهارات التعليمية والقدرات الثقافية، لذلك لم يكن غريبا أن يتفوق في الناحية الأكاديمية على أقرانه الآخرين، وأن يتخرج على رأس دفعته قبل أسبوعين من استشهاده.
أحب نائل حماس وهو لا يزال شبلا يافعا، وأحب مجاهديها وأبناءها، وتابع أخبارها ونشاطاتها وفعالياتها إلى أن أتيحت له الفرصة فانضم إلى قافلتها وباشر العمل في فعالياتها، وقد ملك العمل للحركة وخدمة الإسلام قلبه وفكره وعقله حتى بات لا يفكر إلا فيه، ولا يتحرك إلا له، ولا يسعى إلا لخدمته والإسهام فيه.
موعد الشهادة
شارك الشهيد في الفعاليات والمهرجانات المختلفة التي نظمتها حركة حماس، كما شارك في مختلف الفعاليات والنشاطات التي أقامتها الكتلة الإسلامية.
كان الشهيد نائل يحدث أهله كثيراً عن رغبته في الانتقال إلى الضفة الغربية لإكمال دراسته في إحدى جامعاتها، تمويهاً لهم عن هدفه الحقيقي الذي يسعى لإنفاذه وبذل روحه في سبيله.
في يوم الجمعة 25-2-2000م خرج لأداء صلاة الفجر كعادته، ثم انطلق إلى حيث هدفه ومبتغاه دون أن يودع أهله أو يتحدث لهم بشيء، وما أن شارفت الشمس عن المغيب ذلك اليوم وأذن المؤذن لصلاة المغرب حتى ارتفع رنين الهاتف في بيت آل أبو عواد، ليكتشفوا أن المتحدث هو ابنهم نائل الذي أخبرهم بانتقاله إلى الضفة بهدف إكمال دراسته العليا في إحدى جامعاتها.
ويوم الثلاثاء الذي أعقب عدة أيام من انتقاله إلى الضفة اتصل بأهله هاتفياً، وتحدث مع والدته وسألها عن حالها وأخبارها وصحتها ثم انقطع الخط الهاتفي.
ولم تكد شمس يوم الخميس 02-03-2000م تشرق حتى تناهى إلى مسامعها نبأ استشهاد عدد من المجاهدين في بلدة الطيبة داخل الخط الأخضر من بينهم نائل.
إيهاب الحطاب
أبصر الشهيد القسامي إيهاب أحمد الحطاب النور في الحادي عشر من شهر مايو لعام 1976م في حي التفاح شرق مدينة غزة، وتربى في كنف أسرة ملتزمة بدين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان متميزاً عن إخوته بذكائه وسرعة بديهته منذ صغر سنه، وتحلى شهيدنا بالأخلاق الطيبة والسلوك الحسن مع والديه وإخوته وجميع أقاربه وجيرانه.
لم ينل شهيدنا المجاهد قسطاً وافراً من التعليم، فقد ترك مقاعد الدراسة وهو في الصف الثالث الإعدادي خلال سنوات الانتفاضة الأولى ليشارك أبناء وطنه في التصدي لجنود الاحتلال ورشقهم بالحجارة، وكان الشهيد إيهاب متزوجاً من فتاة ملتزمة، وقد رزقه الله عز وجل بطفلة اسمها ياسمين.
انضم الشهيد إيهاب إلى صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام أواخر تسعينات القرن الماضي، حيث كان مولعاً بالجهاد والشهداء القادة كأمثال الشهيد القائد عماد عقل، والشهيد المهندس يحيى عياش، ورغم التحاقه بالعمل الجهادي إلا أنه حرص على ألا يضعف نشاطه الدعوي فوازن بين الأمرين وأبدع في كل منهما.
عاش شهيدنا المقدام الأيام الأولى لانتفاضة الأقصى المباركة، وكان من المجاهدين الذين تقدموا الصفوف لصد الاجتياحات الصهيونية للقطاع، كما حرص على الرباط على ثغور غزة الصامدة، فكان دائم الرباط والجهاد في سبيل الله، وتميز بصفات الرجل المؤمن المحافظ على سائر الطاعات لعلمه بأن المجاهد لا بد له من زاد في ساحات الوغى ألا وهو طاعة الله والإخلاص والتقوى.
دماء زكية
لم يرق للشهيد المجاهد إيهاب الحطاب أن يرى الاحتلال الصهيوني جاثماً على أرض فلسطين يدنس الأرض والمقدسات، فغادر قطاع غزة التي كان فيه مجاهداً صنديداً وتوجه إلى أرض بلدة الطيبة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة عام 1948م ليقاوم الاحتلال الصهيوني وينفذ وإخوانه عمليات جهادية تقض مضاجع الاحتلال.
ولكن الله لم يشأ لتلك العمليات أن ترى النور ففي يوم 2/03/2000 نال إيهاب وعددٌ من إخوانه الشهادة برصاص قوات الاحتلال، وروت دماؤهم الزكية تراب فلسطين الحبيبة.
عمار حسنين
لأسرةٍ ليست من الأسرِ الصغيرة، ولدَ شهيدنا عمّار محارب حسنين بتاريخ 1/2/1977م، في حيّ الشجاعيّةِ بمدينةِ غزة، لكنّ هذه الأسرةِ لم يلهها عددُ أفرادِها البالغِ ثمانيةِ عشر عن التّربيةِ الإسلاميّةِ والرّعاية للأبناء، وقد تمسّك عمّار منذ طفولتِه بهذهِ التربيةِ القائمةِ على حسن الخلقِ والصّلاةِ والالتزامِ بحلقاتِ التّحفيظِ والذّكر.
كان عمار ذكيّاً مرِحاً ما إن يدخل البيت غمرَه بالسّعادةِ العارِمة. إذ أنه أحبّ أشقاءَه كلّهم ولكنّه أحبّ والديهِ بشكلٍ أخصّ، يهتمّ بهم ويسعى لإرضائِهم عنه في الدّنيا والآخرة، ويلبّي كلّ ما يطلبانِه منه، فالعلاقةُ بهم إذن كانت علاقةٌ حميمةٌ مفعمةٌ بالحبّ والمودّةِ والقرب، يساعدُهم تارةً ويرشدُهم تجاه الأشياءِ الصّحيحةِ تارةً أخرى.
جمعت شخصيّةُ عمّار بين الجرأةِ والشجاعةِ من جهة، والودّ والعطفِ من جهةٍ أخرى، ما جعلَ أقرباءَه وجيرانَه يجمعون هم أيضاً بين مشاعرِ الهيبةِ والاحترامِ، وبين الحبّ الخالصِ تجاهه، فيساعدهم إن احتاجوه، وينصرُهم إن استُضعِفوا، لذا فهم يقولون إن شهادته تركتْ مساحةً واسعةً كان يملؤها عمّار رحمه الله.
بدأَ عمّار رحلتَه في العطاءِ والاحتساب، فكانَ يكتبُ الشعاراتِ على الجدران، ويوزّع البياناتِ والمنشوراتِ التي توضّحُ موقفَ الحركةِ من السّياسات الجديدة، ومشاركةِ إخوانِه في الاشتباكاتِ اليوميّةِ مع قوّاتِ الاحتلال.
الاستشهادي عمار
كان عمّار يعملُ ضمن وحداتِ الفدائيين والمقاتلين، منذ التحاقِه في الحركةِ الإسلاميّةِ عام 1993م، وبعدَ انضمامِه لمجموعةِ المقاومينَ القساميين، كان رحمه الله من المتفرّدين في مقاومةِ الاحتلالِ وصدّه والانتقامِ للمسجدِ الأقصى والحرمِ الإبراهيمي، حيثُ لم يدع ساحةً إلّا ويتقدّمها للمقاومةِ والدّفاع.
وبعدَ أن كان نِعمَ الجنديّ الدءوب، تمّ التّنسيق له من قبلِ إخوانِه ليخرجَ في عمليّةٍ استشهاديّة، وهي عمليةُ طيبة التي استُشهدَ بها، وامتلكَ عمّار قلباً جريئاً فولاذيّاً يندفعُ للحقِّ دون جهدٍ من أحد، فكانَ يتحدّى إخوانِه أيّهم يستطيع الوصولَ لأقربِ نقطةٍ من الأعداء، وكان هو من يصل، فاتّسمَ بالشّجاعةِ والرّجولةِ والجرأةِ وحبّ الدين والتّواضع.
تعجّبت والدتُه كثيراً حينما سألته إلى أين أنت ذاهب، فقالَ لها أنّه ذاهبٌ في رحلةٍ للكشّافة على المناطقِ الجنوبيّة، إذ إنّه لا يحبّ في العادة المبيتَ خارجَ المنزل، وحضنَ أمّه وطلبَ منها أن توزّع بعضَ النّقودِ على أبناءِ أشقّائِه، مّا جعلَها تشعرُ باستغرابٍ كأنّ شيئاً ما سيحدث، وبعد فترةٍ سمعت عائلتُه الكريمة نبأَ استِشهادِه، خلالَ محاصرته هو ومجموعةٌ من إخوانِه المجاهدين القسّاميين في بلدة الطيبة، وذلك في تاريخِ 2/3/2000م.