الضفة الغربية-
توافق اليوم ذكرى بدء سلسلة عمليات “الثأر المقدس”، التي أطلقتها كتائب الشهيد عز الدين القسام، رداً على اغتيال المهندس الأول يحيى عياش، وقادها الأسير المجاهد حسن سلامة، وأسفرت عن مقتل 46 صهويناً وإصابة 163 آخرين.
في الخامس من يناير عام 1996م، اغتال الاحتلال الصهيوني المهندس الأول لكتائب القسام الشهيد القائد يحيى عياش، ظناً منه باغتياله سيقضي على العقل المدبر لعشرات العمليات الاستشهادية ويتمكن من وقفها بشكل نهائي، لكن المقاومة تعهدت برد استثنائي ثأراً لاغتيال مهندسها الأول.
لم يمضِ على اغتيال المهندس يحيى عياش الكثير، وما هي إلا أيام معدودات لتنفجر حافلة تقل جنود جيش الاحتلال الصهيوني في مدينة القدس المحتلة، ومحطة حافلات بمدينة عسقلان، لتعطي شرارة البدء في الثأر للمهندس والتي أطلقت عليها كتائب القسام “عمليات الثأر المقدس” الذي يوافق اليوم الذكرى السابعة والعشرين على تنفيذها.
مثّلت سلسلة عمليات الثأر كما يروي العقل المدبر لها، الأسير القائد حسن سلامة في كتابه “الحافلات تحترق” إرثًا لكل فلسطيني للتعرّف عليها والتأسي بأبطالها، وكانت عملا ضخما ومشروعا كبيرا، شارك يحيى عياش في التخطيط لها قبل استشهاده.
أحبطت هذه العمليات أوهام الاحتلال بالتخلص من شبح العمليات الاستشهادية التي أشرف عليها العيّاش وهزّت أسطورته المزعومة، وأثبتت قدرة كتائب القسام على الثأر لقادتها بشكل نوعي والوفاء لهم.
قرار البدء
أعطى القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام محمد الضيف “أبو خالد” القرار بالانتقام لدماء العيّاش وتلقين الاحتلال درسًا لن ينساه، فكُلف الأسير القائد حسن سلامة بالانتقال من قطاع غزة إلى الضفة الغربية ليكون المسؤول عن هذه العمليات التي أسفرت عن مقتل أكثر من 49 صهيونيا.
نجح الأسير حسن سلامة بالتسلل إلى الضفة الغربية بعد الدخول إلى الأراضي المحتلة بعملية معقدة، واستقر مع رفاقه المجاهدين في مدينة أسدود المحتلة، ليلتقي بعدها مع مجموعة من القساميين في القدس.
كلّف سلامة مجموعة القدس برصد أهداف عسكرية للاحتلال لتنفيذ العمليات فيها، وتواصل مع عدد من المجاهدين في رام الله والخليل كان يعرفهم خلال مدة اعتقاله، أبرزهم الشهيد محيي الدين الشريف، والشهيد عادل عوض الله، والأسيران محمد أبو وردة وأكرم القواسمي، بهدف ترشيح الاستشهاديين لتنفيذ العمليات.
أدت مجموعة القدس دورها في رصد عدد من المواقع العسكرية الصهيونية، ليقع الاختيار على حافلة تقل جنوداً في الخط رقم 18 بمدينة القدس ومحطة حافلات بمدينة عسقلان، وبعد اختيار الاستشهاديين ومعاينة أماكن العمليات حددت ساعة الصفر، وانطلق الشهيد إبراهيم السراحنة إلى عسقلان، والشهيد مجدي أبو وردة إلى القدس.
ضربات مُوجعة
افتتح الأسير القائد حسن سلامة سلسلة عمليات الثأر المقدس بعملية الاستشهادي مجدي أبو وردة والذي فجّر نفسه في حافلة صهيونية في مدينة القدس بعد أن ارتدى زي شبان يهود ليقوم بعملية التمويه، وأدت عمليته البطولية إلى مقتل 28 صهيونيا، وجرح نحو 50 آخرين.
لم تمضِ دقائق على العملية الأولى حتى تلتها عملية أخرى في محطة للحافلات بمدينة عسقلان المحتلة نفذها الاستشهادي إبراهيم السراحنة عن طريق حزام ناسف، مفجرا نفسه فيها؛ ليكون الرد الثاني على عملية اغتيال المهندس العياش، والتي أسفرت عن مقتل اثنين وإصابة 30 آخرين بجروح متفاوتة.
على وقع هاتين العمليتين وحجم الخسائر لدى صفوف الاحتلال شرع الاحتلال وبالتعاون مع السلطة الفلسطينية بشن حملة اعتقالات شرسة شملت معظم أبناء حركة حماس وكوادرها وقيادتها، وحظرت التجول في مدن الضفة كافة، وأغلقت قطاع غزة والقدس.
استمرار الثأر
حصار الاحتلال لم يفتّ من عضد كتائب القسام والأسير حسن سلامة من الانتقام لدماء العيّاش وتنفيذ العمليات الاستشهادية، فجاءت عملية الاستشهادي رائد الشغنوبي تحطيمًا لذلك الحصار حيث فجّر نفسه في عملية بطولية في المكان نفسه الذي نُفذت فيه العملية الأولى من عمليات الثأر المقدس بالقدس المحتلة، وأدت هذه العملية البطولية إلى مقتل 19 صهيونياً، وإصابة 10 آخرين.
اشتد الحصار على الأسير سلامة إثر العملية الثالثة ليصبح التنقل بين مدن الضفة الغربية وقراها أمرًا بالغ الصعوبة، لينتقل بعدها إلى بيت لحم والخليل، وكاد الاحتلال والسلطة أن يعتقلوه أكثر من مرة.
استقر سلامة في الخليل وخطط منها لتنفيذ عملية خطف جندي إسرائيلي وإجبار الاحتلال على تنفيذ صفقة تبادل يُحرر فيها الشيخ الشهيد المؤسس أحمد ياسين وعدد من الأسرى الفلسطينيين، نجحت العملية وتمكنت مجموعة قسامية بقيادة الشهيد محيي الدين الشريف من اختطاف جندي صهيوني في القدس، لكنه تمكن من الفرار من المجموعة الخاطفة.
رسم الأسير القائد حسن سلامة ورفاقه الأبطال عبر سلسلة الثأر المقدس الموجعة والمتتالية لوحة عز وفخار وفهرسًا لكتاب ثأر خُطّت أحرفه بمداد من ذهب في صفحات التاريخ، ليؤكد أن المقاومة لا تضعف أمام جرائم المحتل الصهيوني وعلى ثأرها، وأنها ستظل قابضة على البندقية حتى تكنس الاحتلال عن أرضنا ومقدساتنا.