سلفيت-
توافق اليوم الذكرى السنوية الثامنة عشر لاستشهاد ثلاثة من مجاهدي كتائب الشهيد عز الدين القسام في سلفيت، وهم الشهيد القائد سامر دواهقة، ومساعد المهندس الأول القائد محمد عياش، والمجاهد القسامي محمد مرعي، وذلك منتصف تموز/ يوليو لعام 2005.
ولد الشهيد سامر في سلفيت بتاريخ 16/04/1977، وله من الأشقاء ثلاثة ذكور وأختين، وسبق له وتعرض لعدة كمائن وكان من أبرزها كمين نصب له قرب بيت أخته في عيد الفطر عام 2004، وترجل عدة جنود صهاينة يرتدون ثياب مستعربين من سيارة قبل صلاة العشاء وهاجموه، إلا أن شهيدنا فاجأهم بزخات من الرصاص لتطرح ثلاثة منهم أرضاً.
ورغم مشاهدة الأهالي للجرحى من القوات الخاصة وهم يحملون إلى داخل السيارة التي كانوا يستقلونها، إلا أن الاحتلال اعترف بمصرع اثنين ولكن بعد فترة زمنية متقطعة وعلى مراحل، وقبلها كان قد تعرض لكمين آخر داخل البلدة القديمة بنابلس، ونجا منه حيث وجدت آثار دماء جيش الاحتلال في موقع الاشتباك.
سامر دواهقة قائد القسام في سلفيت
تتلمذ شهيدنا سامر دواهقة على يد الشهيد القائد محمد بلاسمة التلميذ السادس ليحيى عياش حسب ما وصفته الصحافة العبرية، حيث تعلم على يديه إعداد القنابل والمتفجرات، وأهله لذلك كون الشهيد تخرج من معهد الجيطان في نابلس وحصل على شهادة هندسة الكترونية واستلم قيادة كتائب القسام في محافظة العياش وذالك بعد استشهاد القائد عبد الله الديك وزميله وافي الشعيبي الذان صرعا ثلاثة جنود قبل استشهادهما في منزل في قراوة بني زيد.
منذ ذلك التاريخ جن جنون الاحتلال وأبلغ أهل الشهيد أنه سيتم تصفيته في القريب العاجل وكان جواب الأهل على الدوام “أن قتل فله الجنة وسامر يعرف كيف يموت، أما أنتم سيكون مكانكم جهنم اما على يديه او على يد اخوانه من القسام”.
ومن أكثر المحطات المتميزة والتي لعب بها شهيدنا سامر الدور المنوط به دفاعا عن شرف الأمة هي بعد استشهاد زميله محمد بلاسمة حيث اقسم بالثأر له قائلاً فوق قبره: “ان رصاصنا لا يطلق في الهواء بل في صدور الصهاينة” وقد كان حيث تم تفجير حافلة الصهيونية وإطلاق النار عليها على خط قرب بروقين وروى شهود عيان ان الباص انشطر الى نصفين, وان النار اندلعت فيه وان طائرتي اباتشي اتت للبحث عن الفاعلين دون جدوى كل هذا يحصل في اقل من 24 ساعة من استشهاد بلاسمة وكعادته العدو لم يعترف بغير ثلاثة جرحى.
محمد عياش مساعد المهندس الأول
ولد شهيدنا القائد محمد عياش بتاريخ 1\5\1975م في قرية رافات مسقط رأس الشهيد يحيى عياش وهو ابن عمه, درس محمد في مدارس قرية رافات وحصل على شهادة الثانوية العامة من مدرسة الزاوية القريبة من قريته.
واضطر للانقطاع عن التعليم في الجامعة ليساعد عائلته المكونة من 11 نفرا ( 7 اخوة واختين) واب وام, حيث عمل في زخرفة الحجارة والاعمدة ثم تعلم مهنة تصنيع الالمنيوم ليفتح ورشة خاصة به في قريته.
تزوج شهيدنا محمد في 19/8/2000م ورزق بابنه البكر الذي أسماه براء تيمنا بابن عمه المهندس القائد الشهيد الفذ يحيى عياش, فيما أسمى طفلته عزيزة وهو اسم أمه.
لم ينتظر شهيدنا أن يبلغ العشرين ليلتحق بالعمل العسكري فبادر إليه في العام 1994 حيث عمل مع الشهيد يحيى عياش وعرف عنه انه كان معاونه وساعده الايمن حتى اعتقل في ذات العام بتاريخ 2/12/1994ليمضي في السجن أربع سنوات, ولمن لا يعرف محمد فهو رجل تنظيمي بكل ما تحمل الكلمة من معنى فلا يعرف الفرق بين السجن وخارجه للعمل في سبيل الله ونصرة دينه ودعوته.
عرف بالسجن بانضباطه اللامحدود وصلابته في التصدي للادارات الصهيونية حتى أنه قد حكم بالسجن لشهرين اضافيين لمحكوميته الاصلية بعد قيامه بضرب أحد الضباط الصهاينة في سجن الفارعة حين حاول التهكم على أحد اخوانه الاسرى.
عمل في مجال الأمن وبموقع متقدم وقد نقلت عنه في ذلك الوقت مقولة ” في العمل الأمني لا مجال للخطأ أبدا, هفوة بسيطة قد تؤجل مشروع دعوتك مئات السنين ” .. هكذا كان عاشقا لحماس جنديا في أجهزتها المجاهدة المختلفة ومقاتلا فذا في صفوف القسام.
خرج محمد من سجنه شعلة لا تنطفيء, كان أشد شوقا للعمل وتحرقا للجهاد , لكن الإفراج عنه جاء في فترة ميدانية لا تسمح بمزاولة النشاط العسكري المكثف, فأخذ يعد العدة إلى أن تحين ساعة النفير الاكبر, ولنسميها ساعات الشهادة, عاد محمد الى قريته رافات بعد سجنه ليجد الصهاينة قد تغولوا عليها, وسجنوا كل من تعرف قدماه الطريق الى مسجدها , لقد اتبعوا في حربهم على قرية المهندس يحيى عياش سياسة التدمير الكامل.
اعتقلوا كل شباب وأشبال حماس بمن فيهم من يلتزمون المسجد ويؤدون الصلاة فيه دون أن يكون لهم أي نشاط تنظيمي, ولم يجد محمد في هذا الحال ما يدفعه لليأس والاحباط , فعمل على اعادة ترتيب الحركة وتجميع صفوفها وكوادرها واستقطاب المزيد من العناصر لصفوفها حتى غدت أصلب عودا وأقوى بنيانا من ما كانت عليه.
ولم ينس محمد في غمرة انشغاله بالعمل التنظيمي واجبه الديني فأخذ على عاتقه مسؤولية تأسيس مركز تحفيظ القرآن الكريم في مسجد الشهيد يحيى عياش بالقرية والذي خرج العشرات من الحفظة ورغم المضايقات الكبيرة التي لاقاها ولعل أهمها قيام أجهزة السلطة الذاتية بإغلاقه وتعطيل العمل فيه والادعاء أنه غير شرعي لأن وزارة الأوقاف لا تشرف عليه, ومع ذلك مضى في سبيل الله عز وجل غير عابيء بما يفعلون .
لم يكن قد مضى على زواج شهيدنا من احدى قريباته أكثر من شهرين، حين اندلعت انتفاضة الاقصى المبارك التي ادرك فيها ابو البراء أنه قد حان الوقت ليجني ثمار ما زرعه.
شهادة شهادة كانت كلمات ينطقها قلبه وهو الذي عايش الشهداء, ورافق ابن عمه المهندس الاروع يحيى في رحلته الجهادية, فانخرط محمد في انتفاضة الأقصى في المجالين الجماهيري والعسكري, فكان يقود شباب حماس في مواجهة المحتلين وتنفيذ الفعاليات الجماهيرية التي تدعو لها الحركة علنا ويشكل الخلايا العسكرية التابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام في السر, الى أن اكتشفت قوات الاحتلال أمره بعد استشهاد المهندس القسامي القائد احسان شواهنة ليبدأ رحلة المطاردة بتاريخ 4\7\2004م حين حضرت قوات الاحتلال الى بيته بهدف اعتقاله لكنه كان قد غادر البيت مع رفاقه القساميين ليذيقوا الصهاينة الموت الزؤام خلال سنة كاملة أمضاها شهيدنا ممتشقا لسلاحه, واثقا من رصاصه الذي لا يعرف الطريق الا الى صدور المحتلين.
حضرت القوات الخاصة الصهيونية اكثر من مرة الى منزل شهيدنا مهددة بقتله ان لم يسلم نفسه, ومن جديد تعود الى رافات حيويتها التي عاشتها أيام المهندس القائد يحيى من خلال ابن عمه محمد الذي اعتقل الصهاينة والده وداهموا منزله عشرات المرات وجندوا العيون الخائنة والايدي السوداء لترابط حول بيته , وتقتفي أثره, وتشتم خبره كما الكلاب, دون أن يجديها ذلك شيء حتى حانت المنية , وجاءت ساعة الوداع التي كان يرقبها شهيدنا محمد على أحر من الجمر.
محمد مرعي رفيق القائدين القساميين
في يوم مبارك هو 18/10/1985وليد شهيدنا محمد في قرية قراوة بني حسان قرب سلفيت, تلك التي يطلق عليها الصهاينة اسم قراوة بني حماس لروعة القساميين فيها وشدة بأسهم, فقد كانت القرية ومنذ الانتفاضة الاولى موقعا متقدما للثورة الاسلامية, ورأس حربة كتائب الشهيد عز الدين القسام المغروسة في قلب صهيون.
في قراوة عاش مهندس حماس الاروع يحيى عياش, ومن بين أزقتها خرج المجاهدون القساميون علي عاصي, وعدنان وسلامة مرعي ومنصور الريان, ومنها بدأ شهيدنا محمد المشوار.
نشأ محمد وتربى في كنف أسرة كبيرة عرفت بالتدين والتقوى والصلاح والجهاد في سبيل الله , له من الاخوة الذكور والاناث 21 , أما والده أحمد سلامة مرعي فقد سبق واعتقل في سجون الاحتلال عدة مرات, وهو امام مسجد عمر بن الخطاب منذ اكثر من (25عاما) , وأحد المؤسسين الاساسيين لمراكز تحفيظ القرآن الكريم في منتصف الثمانينات.
تلك المراكز التي تحولت الى ميادين اعداد يتخرج العشرات من حفظة القرآن الكريم كاملا من أفيائها، والعشرات من الذين يحفظون اجزاء مختلفة منه وقد شبوا على صحة العقيدة وقوة الايمان.
شهيدنا محمد هو صهر وابن عم الشهيد عدنان مرعي من مؤسسي كتائب الشهيد عز الدين القسام في شمال الضفة، وكذلك ابن عم الاسير المجاهد سلامة مرعي الذي يقضي حكما بالسجن المؤبد بالاضافة الى عشر سنوات بتهمة الانتماء الى كتائب الشهيد عز الدين القسام وقتل جندي صهيوني واصابة آخرين.
عرف شهيدنا محمد بتدينه وشجاعته وصلابته وحبه للجهاد والعمل للاسلام, بدأ مشواره مع الحركة الاسلامية في أفياء المساجد, كان مثالا يحتذى للعابد الزاهد المجاهد الذاهب عن نفسه في سبيل الله.
غالبا ما كان يرى في نشاطات الحركة الاسلامية المختلفة مجاريا لمن يكبرونه سنين عديدة , وهو الذي عمل في صفوف حركة المقاومة الاسلامية حماس منذ نعومة اظفاره , فكان أحد نشطائها في قراوة بني حسان , يكتب الشعارات الداعية الى الجهاد , ويرفع رايات المقاومة ولافتات الثورة الاسلامية التي توقد أوارها حماس , ويقاتل المحتلين في تصعيدات الحركة ويتصدى للآليات التي تحاول اقتحام قريته بالحجر , حتى التحق بكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس منذ شهور.
موعد الشهادة للقساميين الثلاثة
كانت ساعة الشهداء قد أزفت، عند الثالثة من مساء يوم الجمعة 15/7/2005 , أدى دواهقة وعياش ومرعي صلاة الجماعة، وركبوا سيارتهم قاصدين المنزل الذي يقيمون فيه متخفين عن المتربصين من أصحاب الاعين الخائنة والايادي السوداء، دون أن يلفت انتباههم ازالة رجال السلطة الفلسطينية للحواجز التي ينشرونها عادة على مداخل مدينة سلفيت.
وصل مجاهدونا الى منطقة واد الشاعر حين انهمرت قذائف الاباتشي وصواريخها على السيارة التي كانوا يستقلونها, أدركوا على الفور أنهم يتعرضون لهجوم صهيوني وعملية قصف فقفزوا من السيارة, لكن قضاء الله كان أقرب , فاختار في الحال شهيدنا محمد مرعي الى جواره, فيما أصيب القائد القسامي محمد عياش بجراح خطيرة في كتفه ورجله, حيث قام الأهالي الذين حضروا للمكان في أعقاب القصف بنقله مباشرة بسيارة إسعاف إلى المستشفيات الفلسطينية في مدينة رام الله وفي الطريق كمنت لهم وحدة صهيونية قامت باعتقاله حيث أعلن بعد ذلك عن استشهاده.
أما القسامي الثالث سامر دواهقة فقد نجاه الله, وتمكن من التحصن خلف برميل وكومة من الحجارة كانت في المكان الذي كان محاصرا بمئات الجنود الذين تمكنوا من رصده بعد أن خرج من مكمنه فخاض معهم اشتباكا مسلحا على أرض قريته بعد منتصف الليل انتهى باستشهاده.
وهكذا أسدل الستار على قصة القساميين الثلاثة بعد أن نعتهم الكتائب في سلفيت عبر مكبرات الصوت، لتؤكد استشهادهم متعهدة باستمرار المقاومة حتى دحر الاحتلال.