نابلس-
توافق اليوم الذكرى السنوية التاسعة عشر لاغتيال القائد القسامي الشهيد عماد محمد حافظ جناجرة (32 عاماً)، برصاص قوة صهيونية خاصة في أحراش بلدة طلوزة بنابلس، بتاريخ 06 أيار/ مايو لعام 2004، عقب نجاته من سبع محاولات سابقة لاغتياله.
ولد الشهيد عماد عام 1972 في بلدته طلوزة التي تبعد 12 كيلومتر شمال مدينة نابلس، وتربى بين ثمانية من الإخوة الذكور وهو رابعهم وخمسة من الإناث، وتميز بالجدية والهدوء والكتمان.
وفي مدرسة طلوزة الوحيدة، درس عماد جميع مراحله الدراسية، إلا أنه لم يدخل الجامعة بسبب صعوبة وضع عائلته المادي، وتحتم عليه العمل لمساعدة والده في الإنفاق على أسرته الكبيرة، ورغم كونه لم يكمل الخماسة عشرة من عمره في الانتفاضة الأولى، إلا أنه كان من أبرز المشاركين في فعالياتها.
وتعلم على السلاح مبكراً، كون والده كان أحد أفراد الجيش العربي الأردني، ولما لرعي الأغنام من مخاطر على حياة الراعي، كان لازماً عليه تعليمه استعمال السلاح، لذلك كان يعرف جميع مهارات استعمال السلاح قبل أن يكمل الخامسة عشرة من عمره.
تزوج عماد عام 1992، ورزق بولد أسماه محمد تيمناً برسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام، إلا أن زواجه لم يثنيه عن القيام بدوره الجهادي، والتحق بعدها بثلاث سنوات بكتائب القسام، بعد أن جنده الشهيد القائد محمود أبو الهنود إلى جانب إخوانه في نفس الخلية الشهيدين القساميين أيمن ومأمون حشايكة أبناء بلدته طلوزة.
امتشق سلاحه
مع بداية انتفاضة الأقصى امتشق شهيدنا القسامي سلاحه الذي لم يفارقه، ليحول مع قائده الشهيد محمود أبو هنود وبقية إخوانه حياة الصهاينة على الطرق الالتفافية إلى جحيم لا يطاق، ففرضوا فيه حظرا للتجوال، بعد الكثير من الضربات المؤلمة التي وجهوها للصهاينة ومستوطنيه، مما جعله يحتل رأس القائمة مباشرة في منطقة شمال نابلس على لائحة الاغتيالات بعد اغتيال القادة محمود أبو هنود وأيمن ومأمون حشايكة.
وبالرغم من شهرته الواسعة في دقة التصويب إلا انه أيضا ملك مهارات صنع المتفجرات وما يعرف بمادة ” أم العبد” شديدة الانفجار، حيث استخدمها في تفخيخ الطريق الالتفافية بين بلدتي طلوزة وعصيرة قبل أشهر من اغتياله وتفجيرها عن بعد في إحدى الجيبات الصهيونية، ما أسفر عن تفجير الجيب الصهيوني واندلاع النار فيه وإصابة أربع جنود بجراح، أحدهم جراحه خطيرة، حسب ادعاء العدو.
ومما زاد من كثرت استهدافه من قبل القوات الصهيونية، أنها ادعت إحباطها عمليتين استشهاديتين في المناطق المحتلة عام 1948، وأشارت أصابع الاتهام إلى الشهيد عماد جناجرة من بلدة طلوزة كونه مهندس العمليتين.
كان عماد جناجرة كغيره من أبطال القسام يملك حساً امنياً مرتفعاً، لذلك امتنع عن استعمال الهواتف وحملها إلا عند الضرورة القصوى، وليس هذا فحسب بل يؤكد الكثير ممن عرفوه من بلدته وخارجها أنه وبعد أن علم بإدراج اسمه على قوائم الاغتيالات الصهيونية امتنع أيضا عن الركوب بكل وسائل النقل السريعة من السيارات والحافلات مهما كان السبب.
التخفي باستمرار
أكد أحد مرافقيه أنه كان يذهب إلى مدينة جنين التي تبعد أكثر من 35 كيلومتر مشيا على الأقدام، للوصول إلى إخوانه ومتابعة عملهم في صفوف القسام، بعد أن أصبح قائد المنطقة الشمالية فيما بعد، بل وقد عرف عنه التخفي باستمرار وخاصة عندما كان يريد زيارة أهله ووالديه.
لذلك فقد جند الموساد الصهيوني الكثير من العيون لاقتفاء آثار القائد القسامي عماد في الجبال، ويؤكد أهل البلدة أن الكثير العيون المأجورة كان تراقب مسجد البلدة لاعتقادهم لجوء عماد إليه في أحد الليالي، إلا أن رعاية الله والحس الأمني نجاه من الكثير من المحاولات الصهيونية لاغتياله والتي وصلت لأكثر من سبع مرات، فقاموا في أحد المرات بعد أن شكوا بوجوده في احد مغارات منطقة “واد المراش” قرب بلدته بقصفها بطائرات الأباتشي إلا أن الله كتب له السلامة.
وقبل استشهاده بأسبوع جاءت قوة كبيرة من القوات الصهيونية الخاصة متسللة ما بين بلدتي “طلوزة” و”ياصيد” لمحاولة اغتيال أو اعتقال عماد بعد أن شكوا بوجوده في بيت أهلة قرب تلك المنطقة، إلا أنه وبعد أن لاحظ قبلها بفترة قصيرة وجود طائرة بدون طيار المخصصة للتجسس في سماء المنطقة، قرر الانسحاب بأمان دون معرفة القوات الصهيونية بذلك، وقاموا باقتحام المنطقة واغتيال المدرس في الجامعة الأمريكية الدكتور ياسر أبو ليمون الذي كان له نصيب كبير من الشبه بعماد، حيث أطلقوا عليه النار مباشرة عن بعد خمسة أمتار أمام زوجته وأخته وأطفاله، ما أدى لاستشهاده على الفور إلا أنهم عادوا خائبين من اغتيال عماد بعد أن فحصوا هوية الشهيد.
وفي يوم الأربعاء الموافق 5/5/2004 كان الفارس القسامي القائد عماد محمد جناجرة على موعد قريب من الشهادة، بعد فترة طويلة من المطاردة وصلت لأربع سنوات، وجاء متخفياً ومعه سلاح من نوع كلاشنيكوف، ومعه ثمانية أمشاط من الرصاص، لزيارة ذويه بعد فترة طويلة من الغياب وفي قلبه شعور غريب، أما في السماء فقد كانت طائرة بدون طيار تنسل بهدوء وتمحلق في منطقة سكنى ذوي عماد لتلمح شخصاً غريبا في المنطقة والذي كان عماد، وعلى الأرض كانت أكثر من عشر جيبات صهيونية تنتظر الأوامر على طريق بلدة “عصيرة” القريبة من “طلوزة”، وفي تمام الساعة الحادية عشرة ظهرا جاءت الأوامر من القيادة المركزية للقوات الصهيونية بالتحرك.
موعد الشهادة
أما عماد فقد كان قلبه ينبؤه بقرب الرحيل، وهو ما أكده ذووه فقد ودعهم واحدا واحد، طالبا منهم المسامحة، وانتقل من منزل والديه بعد أن تناول معهم طعام الغداء إلى منزل شقيقه الذي أبى أن يضايقه وتناول معه أيضا بعض الطعام، وطلب من أهله عماد في ذلك اليوم أن سمعوا خبر استشهاده أن يقوموا بتوزيع ” الكنافة” على أهل البلدة.
وبعد آذان الظهر كانت القوات الصهيونية الخاصة قد أطبقت حصارها حول جبال “طلوزة” وقاموا عبر مكبرات الصوت بمنع التجوال عن أهالي البلدة، وبعد نصف ساعة رفعوا الحظر، وتخفى عماد جيدا ليخرج من المنطقة قبل معاودة الجيش الذي انسحب ظاهرياً، وما أن ودع ذويه وابتعد عن المنزل، حتى وجد العشرات القوات الخاصة تختبئ في أحراش البلدة فقام مباشرة بتصويب سلاحه نحو الجنود إلا أنهم عاجلوه وقصفوه بقذيفة “انيرجا” المضادة للأفراد في منطقة الوجه من ناحية اليسار، مما أدى لاستشهاده على الفور، وبعد أن تأكد الجيش من هويته وضعوه بالقرب من منزله ودعوا أهله لرؤيته، وسألوا ابنه الشبل الصغير محمد عن هوية الشهيد فأكد لهم انه والده وقد تفاجأ الجميع بما فيهم ضباط الجيش الصهيونية من شجاعة محمد ورباطة جأشه.
ليُنقل بعدها الشهيد عماد لمستشفى الشهيد خليل سليمان في مدينة جنين ويتم تشييع جثمانه الطاهر يوم الخميس 6/5/2004 إلى مقبرة البلدةـ في جنازة شارك فيها عشرات الآلاف من مواطني طلوزة الكثير من القرى المحيطة.