توافق اليوم الذكرى السنوية الثامنة والعشرين لاستشهاد القائد القسامي طاهر شحدة قفيشة من مدينة الخليل، بعد أن قاوم العدو الصهيوني بمحاصرة المنزل الذي تحصن فيه، وصمد لأكثر من 12 ساعة، مفضلاً الشهادة على الاستسلام، وذلك بتاريخ 29 حزيران/ يونيو لعام 1995.
تلقى طاهر تعليمه في قلعة من قلاع التربية التي أسسها شيخ خليل الرحمن وداعيتها الأول الشيخ شكري أبو رجب، في مدرسة شرعيت خرجت مئات الدعاة والمجاهدين، فمنهم من قضى نحبه شهيداً ومنهم من يضيء سجنه بأنوار صبره ومضاء عزمه.
عُرف الشهيد طاهر شحدة قفيشة بين إخوانه بتواضعه وحسن خلقه، وحبه الشديد للجهاد فكان أول فرسان حماس منذ بداية الانتفاضة، حيث كان ينتظر مرور باصات الاحتلال والدوريات العسكرية عبر شارع بئر السبع بعد المدرسة ليمطرها بحجارته وتكبيراته.
لم يكن يعرف الكلل أو الملل، يبحث عن المواجهات في الليل والنهار، لدرجة أنه كان لا يترك اللثام لحظة واحدة، بل يخفيه في ثيابه خوفا أن تضيع منه فرصة للمواجهة دون أن يستغلها وكان شديد الحماس لا يعرف ولا يعترف بخطوط حمراء للعمل الجهادي، فكان مندفعا للبحث عن أي وسيلة لتطوير العمل الجهادي، بدءاً بالحجارة والزجاجات الفارغة والقنابل الصوتية، والزجاجات الحارقة، وصولاً إلى حمله البندقية المشرعة كخيار للتحرير، فكان طاهر ضمن أول مجموعة قسامية شكلت في مدينة الخليل، وتلقى تدريبه على يد القائد القسامي عماد عقل وإخوانه.
محطة الاعتقال
تعرض للاعتقال خلال حملة الاعتقالات عام 1992م التي شملت عشرات المجاهدين إثر عمليات القسام البطولية في تلك الفترة، وتم تحويله بداية للاعتقال الإداري ومن ثم للتحقيق، وفي سجن الخليل انتقل الى معتقل الظاهرية لاستكمال التحقيق ومواجهته بأفراد المجموعة فكان يتوقع حكماً لا يزيد عن خمس سنوات سجن.
إلا أنه كان يحمل بداخله جرحاً نازفاً وقلباً ملتهباً لا يطفئ ناره، إلا بالشهادة، فبدأ التخطيط لعملية هرب بطولية من السجن بصحبة المجاهد أمجد شبانة، والقائد جهاد غلمة حيث قطعوا الأسلاك الشائكة وغادروا القيد لتبدأ أروع ملحمة بطولية يسطرها المجاهدون في خليل الرحمن طوال عامين كاملين من الجهاد والعمل المسلح، وبعد أقل من ثلاثة شهور يفقد طاهر أحب وأقرب إخوانه إلى قلبه، الشهيد أمجد شبانة الذي ترجل بصحبة ثلاثة من أبطال القسام بعد محاصرتهم وقصف المنزل الذي آواهم.
حمل جهاد وطاهر لواء المعركة فتكون العملية العسكرية الأولى ضد سيارة مغتصبين على طريق حلحول/ الخليل، ينفذها طاهر بصحبة الشهيد عايد الأطرش، فيصيب ثلاثة مغتصبين صهاينة، وفي تاريخ 17/5/1994م، ينطلق بصحبة جهاد غلمة في عملية تجاوز قرب مغتصبة (بيت حجاي) جنوب الخليل فيقتل ثلاثة مغتصبين كانوا يستقلون سيارة في الساعة الثامنة والنصف صباحا.
كمين محكم
وفي تاريخ 16/6/1994م، جهز شهيدنا بمشاركة القائد جهاد غلمة كمينا لمركبات العدو في شارع عين سارة، وفي وضح النهار يطلق شهيدنا النار نحو ثلاث مركبات تابعة لمخابرات العدو، ولم يعترف العدو حينها إلا بإصابة واحدة، رغم أن ما أطلقه المجاهدون زاد عن (250) طلقة.
(7/7/1994م) تجاوز عن سيارة صهيونية قرب مغتصبة (كريات أربع)، فقُـتل أحد المغتصبين وأصيب أربعة آخرون.
عمل طاهر بصحبة جهاد على تدريب مجموعة من المجاهدين لتنفيذ عملية أسر على طريق الخليل/القدس بهدف تحرير إخوانه الأسرى في السجون، وكادت العملية أن تنجح لولا كثافة الجنود والمغتصبين في المنطقة وارتياب المغتصب المستهدف بأحد الإخوة الذي لم يتقن (اللغة العبرية) فقفز المغتصب من السيارة وعاد الإخوة إلى قاعدتهم بسلام بعد مطاردة طويلة من جيش العدو.
مطلع عام 1995م نصب كمينا لباص من المغتصبين في منطقة راس الجورة، اعترف العدو بمقتل اثنين وإصابة خمسة من المغتصبين، وفي جبل الرحمة ينصب كمينا لسيارة جيب عسكرية، لم يعترف العدو خلالها بإصابات وعلى طريق بيت كاحل غرب الخليل يهاجم مع جهاد غلمة جيباً عسكرياً، فيصيب ثلاثة جنود، إضافة إلى عشرات العمليات التي لم يعترف بها العدو ولم يُعرف عدد الإصابات.
موعد الشهادة
بعد سلسلة من العمليات النوعية التي زلزلت العدو وأرعبت مغتصبيه، فرض الاحتلال حظر التجول ليلاً على مدينة الخليل، ومع ذلك كانت جميع الطرق معرضة لهجمات القساميين.
قام الاحتلال بتوزيع صور المطاردين على جميع الدوريات والحواجز العسكرية وأعوانه من العملاء، ورافق ذلك حملة تشويه واسعة ضد المجاهدين.
كانت رحلة المطاردة شاقة ومرهقة، وكم كان طاهر يتمنى الشهادة ويسأل الله أن لا تكون تحت الأنقاض، وتضيق عليه الدنيا بعد استشهاد أخيه ورفيق دربه (جهاد غلمة) ومن بعده حامد يغمور، لدرجة أنه في آخر لقاء جمعه بوالدته قال لها: “يا أم ادعي لي بالشهادة”، فتستغرب وتقول: “أنا أدعو الله أن يحفظك لتواصل مقاومة الاحتلال”، فيقول رحمه الله: “الآن عرفت لماذا يستشهد الجميع وأبقى وحيدا، يا أم لم أعد أحتمل وأريد الشهادة”، فتدعو الله أن يرزقه الشهادة
التاسع والعشرين من يونيو/1995م، استيقظت خليل الرحمن على قوات العدو وآلياته تحاصر منزلاً وسط أرض زراعية في منطقة راس الجورة، قرب الشارع العام، ونداء مكبرات الصوت لتسليم طاهر نفسه، فيشهر مسدسه ويطلق رصاصه نحو رأس ضابط الوحدة ليصيبه بجراح خطيرة (يموت بعدها بثلاث سنوات).
صمد المجاهد لأكثر من (12) ساعة مفضلاً الشهادة على الاستسلام، ليترقي بعدها شهيداً مشتبكاً، ويلتحق بمن سبقه من شهداء القسام الذين شاركهم الجهاد، عماد عقل وأمجد شبانة وأمجد أبو خلف وعايد الأطرش وإياد أبو حديد ومروان أبو ارميلة وجهاد غلمة وعادل الفلاح وعبد الصمد حريزات وأخيرا حامد يغمور رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته.
طاهر لم يكن يجيد الخطابة أو الكلام وعرف عنه ابتسامته العذبة وصمته الطويل وكانت آخر كلماته كما يقول شهود عيان هي صرخته عندما أطلق الرصاص “الله أكبر والنصر للإسلام”.