توافق اليوم الذكرى السنوية الـ29 على استشهاد مؤسس كتائب الشهيد عزالدين القسام في شمال الضفة الغربية الشهيد علي عاصي، الذي ارتقى في اشتباكٍ مسلح مع قوات الاحتلال أثناء محاصرة منزل كان يتواجد فيه مع رفيقي دربه بشار العامودي والمهندس يحيى عياش في 11 تموز/ يوليو 1994.
نشأته
ولد الشهيد المجاهد القسامي علي عثمان عاصي بأسرة متدينة محافظة في “قراوة بني حسان” قضاء سلفيت عام 1964م، وأنهى دراسته الابتدائية في مدرسة بلدته الابتدائية ثم انتقل إلى مدرسة “بديا الثانوية” وأكمل فيها المرحلة الإعدادية والثانوية.
كان عاصي محباً للأرض يعمل فيها ليل نهار، وكان جلداً يتحمل ويقوى على الأشغال الصعبة كحراثة الأرض وغيرها، وبسبب ظروف الحياة وصعوبتها لم يكمل الشهيد دراسته الجامعية والتحق بالعمل في مجال العمل الحر في مجال البناء.
ونظرا لأن المغتصبات كانت تأكل يوما بعد يوم المزيد من أراضي بلدته، فكان دائما ينظر إلى المغتصبات التي تحيط ببلدته كالسوار للمعصم على أنها صخرة على صدره، لذلك كان يبحث عمن ساعده على مقاومة ذلك الاحتلال.
وما أن اندلعت الانتفاضة المباركة في العام 1987 حتى كان من أوائل من شارك في فعالياتها، فكان ممن زادوها اشتعالاً فأخذ يقاوم قوات الجيش الصهيوني ويتصدى لها بصدره العاري المليء بالإيمان، فكان ينصب الكمائن للمغتصبين ويلقي الحجارة على سياراتهم.
المشاركة في الأفكار والخطط
ما أن اشتدت الانتفاضة المباركة بانطلاق حركة “حماس” حتى كان الشهيد علي عاصي من أوائل من التحق بركب الحركة الإسلامية فكان مثالاً للانضباط والالتزام ينفذ كل ما يطلب منه، وكان يقترح ويشارك بالأفكار والخطط، فبقي الشهيد على ذلك حتى جاءت ضربة الحركة عام 1990م، حيث تم اعتقال الكثير من قيادات وكوادر العمل الجهادي على يدي قوات الاحتلال.
بعد هذه الضربة التي لحقت بالحركة كان لزاماً على الشهيد علي عاصي أن يأخذ جزءًا من العبء الإداري الشاغر في الحركة، لذلك ارتقى الشهيد في السلم التنظيمي للحركة، وأصبح عضواً في الهيئة الإدارية لقرى غربي نابلس أي ما يقارب الخمسين قرية، فكان -رحمه الله- يتنقل بين القرى و المدن لتلبية واجبات ومطالب الحركة في أماكن تواجدهم، ورغم مشاغله الإدارية إلا أن حبه للعمل العسكري وشغفه به رغبة في نيل الشهادة وشعبه الحرية والاستقلال.
كان شهيدنا القسامي يبحث دائما عن كل ما يثخن في الاحتلال وإخراج الانتفاضة من طابعها التقليدي باقتصارها على رمي الحجارة، فأخذ يفكر بتطوير العمل إلى تشكيل خلايا عسكرية للحركة بعد أن كتائب الشهيد عز الدين القسام قد ظهرت في قطاع غزة في بداية انطلاقتها.
أخذ الشهيد ومعه مجموعة من إخوانه القادة: زاهر جبارين وعدنان مرعي ويحيى عياش، على عاتقهم تشكيل الجهاز العسكري لحركة حماس في شمال الضفة الغربية، فكان النواة الصلبة من هؤلاء، حيث جعلوا من قراوة بني حسان مقراً للتخطيط والانطلاق، فعمل بسرية وكتمان في إطار الجهاز العسكري، ولكنه بقي يقاوم الجنود الذين يقتحمون القرية، حيث أصيب مرتين مرة في رأسه فسلمه الله ومرة بفخذه برصاص حي، وأجريت له عملية وتم إخراج الرصاصة.
أول محاولة لاعتقاله
في ليلة 14/12/1992م كانت أول محاولة لاعتقال للشهيد القسامي المجاهد، حينما حضرت قوات كبيرة من جيش الاحتلال إلى بيت الشهيد وبيت شقيقه محمود عاصي، إلا أن الشهيد رحمه الله استطاع الإفلات من بين يدي القوات الصهيونية لتعقل بدلا منه شقيقه أبو علاء.
ليصبح بعدها مطلوباً أما شقيقه محمود فكان من بين الـ315 فلسطينيا الذين أبعدوا إلى “مرج الزهور”، فأصبحت لعائلتهم مبعد ومطلوب للاحتلال، وبعد ثلاثة أشهر من المطاردة والملاحقة الحثيثة، تمكنت قوات الاحتلال من اعتقاله وأخضعوه للتحقيق قاسٍ لمدة شهرين في “سجن نابلس المركزي”.
ومع أن الشهيد القسامي المجاهد علي عاصي كان يحمل كنزاً من المعلومات التي تبحث عنها قوات الاحتلال عن خلايا القسام إلا أنه لم يدلِ بكلمة واحدة، ليخرج بعدها منتصراً على محققيه ولم يطل خروجه من السجن ليلتحق مجدداً في صفوف المطاردين، بعد أن وضعته القوات الصهيونية ومخابراتها على قوائمهم.
وبعد أن اعتقلت قوات الاحتلال أحد أفراد الكتائب وأخضع لتحقيق قاسٍ لتكتمل الحملة باعتقال أحد ركائز الجهاز المجاهدين زاهر جبارين وسلامة مرعي، فما كان من الشهيد علي رحمه الله إلا أن ودع أهله، وحمل سلاحه وخرج ليصبح مطاردا لقوات الاحتلال الصهيوني.
وكانت البداية الساخنة للمجاهد القسامي علي عاصي، من خلال عملية الرد على إبعاد قيادات حركة حماس إلى مرج الزهور، والتي نفذها الاستشهادي الأول في كتائب القسام ساهر تمام بتاريخ 16 نيسان/ أبريل 1993، فأوقعت عدداً من القتلى والجرحى في صفوف جنود الاحتلال، بعد تفجير سيارته المفخخة وسط باصين محملين بالجنود.
رفيق المهندس يحيى عياش
كان الشهيد هادئا يعمل بحكمة وتخطيط ودراسة دقيقة لكل تحركاته، ويؤكد مرافقوه أنه كان مخلصاً محباً لإخوانه يدعوا لهم بأن يحفظهم الله، كل هذا المزايا جعلته أقرب المقربين للمهندس المعلم في كتائب القسام الشهيد القائد يحيى عياش، وملازما له ولم يتركه طيلة مطاردته حتى لقي ربه رحمه الله.
وكان دائما يقول عن الشهيد المهندس: “لو علمت حماس ما بجعبة هذا الرجل من طاقات وإبداعات لجعلت له بيتا من الزجاج، ولأدخلت له الطعام والشراب بعد فحص”، لما لهذا الرجل من أهمية، ولكن هذا هو قدر المجاهدين في سبيل الله لهم ساحات الوغى، فكانوا فيها أسوداً.
وبالرغم من مهارات الشهيد القائد علي العاصي الإدارية إلا أنه لم يكن يدع فرصة للمشاركة الميدانية في الطلعات الجهادية والعمليات القسامية إلا ويشارك بها، فقد شارك بالعملية الجريئة على حاجز “دير بلوط” البطولية والتي كان حصيلتها مقتل جنديين وجرح ثالث واستشهاد القائد القسامي “عدنان مرعي” وإصابة المجاهد السائق محمد ريان من قرية “بيت لقيا”.
واستطاع المجاهد علي عاصي والمجاهد المعتقل أشرف الواوي الانسحاب من الموقع برعاية الله وحفظه بعد ثلاث أيام من اختبائه في كومة للحطب قرب موقع الحاجز الصهيوني، ليصل إلى القاعدة التي انتقل منها بلدة “قبيا” حيث ينتظره هناك المجاهد الشهيد يحيى عياش والمجاهد الشهيد سليمان زيدان.
وفي عملية مفرق “قراوة بني حسان” التي شاركه فيها المجاهد المهندس يحيى عياش قتلا فيها مستوطنة وجرحا زوجها وعلى إثرها قامت القوات الصهيونية بحملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من المساعدين للمطاردين القساميين.
ولكن الشهيد كان يمتاز بالقدرة الفائقة والسرعة في تجنيد عناصر جدد للجهاز العسكري وقد استطاع -رحمه الله- من إعادة بناء الجهاز بعد كل ضربة يتعرض لها، حيث تعرف على المجاهد بشار العامودي من مدينة نابلس وعمل معه في منطقة الشمال وبالذات في مدينة نابلس، كما عمل مع القائد صلاح الدين دروزة حيث اعتقل “دروزة” على خلفية علاقته بالشهيد المهندس والشهيد علي عاصي و حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
موعد الشهادة
حاصرت قوات الاحتلال منزلا في حي الياسمينة، كان يتواجد فيه القادة القساميين الثلاثة، يحيى عياش وعلي عاصي وبشار العامودي، وطلب قائد الوحدات الصهيونية عبر مكبرات الصوت المجاهدين الثلاثة بالاستسلام، فردوا بوابل من نيران الأسلحة الأوتوماتيكية.
وكانت الخطة أن يغطي المجاهدان العامودي وعاصي على انسحاب المهندس عياش، فاشتبك المجاهدان مع القوات المهاجمة التي حاولت اقتحام المنزل في معركة ضارية استمرت ساعات عدة، وقُتل ضابط صهيوني على الأقل وأصيب آخرون بجروح متفاوتة.
واستثمر المجاهدون فترة الهدوء وإعادة تجميع قوات الاحتلال بالتغطية على مغادرة المهندس يحيى للمنزل، فانسحب عياش بإصرار من أخويه علي وبشار، لعملهما بحاجة المجاهدين لهذه الكفاءة العلمية المبدعة.
وبدون سابق إنذار، قصفت قوات الاحتلال الطابق الثاني من المنزل المحاصر، والذي يتحصن فيه عاصي والعامودي، ثم قامت وحدات خاصة بإمطار المكان بوابل من الرصاص، ما أدى إلى استشهاد علي عاصي وبشار العامودي، ولقيا ربهما صائمين.