توافق اليوم الذكرى السنوية الثلاثين لعملية دهس الشهيد القسامي ساهر تمام لضابطين بجيش الاحتلال، قرب مستوطنة “شيلو” شمال رام الله، بتاريخ 15 آذار/ مارس 1993، وانسحابه من مكان العملية بسلام.
ونفذ القسامي ساهر تمام عملية الدهس التي استهدفت عدداً من المغتصبين في محطة الحافلات القريبة من مفترق مستوطنة “شيلو”، ما أدى إلى مقتل الرقيب أول عوفر كوهين والرقيب إسحاق برخا.
ولد ساهر في الجبل الشمالي بمدينة نابلس عام 1971، وهو ثالث أبناء أسرته الستة، ورغم ارتفاع مستوى معيشته المادي لكون والده يملك مصنعاً للطحينية في “مخيم بلاطة”، إلا أن ساهر لم يكن يرى في كل ذلك ما يربطه في هذه الدنيا.
وتربى على سير المجاهدين الأوائل في مسجد عقبة بن نافع في منطقة الجبل الشمالي وهو في مرحلته الابتدائية، قبل أن يتنقل وذووه إلى مخيم بلاطة حيث “مسجد عمر بن الخطاب” الذي تعرف فيه على المجاهدين القساميون: عبد الناصر عطا الله، وأحمد مرشود، وعثمان بلال.
وظهرت رغبة المجاهد ساهر تمام بالعمل الجهادي في صفوف كتائب القسام مبكراً، وتحديداً عندما كانت تضع الكتائب لبناتها الأولى في منطقة نابلس، ولم يكل في إشعار المجاهد أحمد مرشود أحد أبرز قادة كتائب القسام في نابلس بهذه الرغبة.
إثبات جدارة
أصبح ساهر فيما بعد ضمن مجموعات الأسير القائد المحرر زاهر جبارين، ورغب في إحضار “شهادة إثبات” تؤكد جدارته بالانضمام لصفوف المطاردين في كتائب القسام ولكن على طريقته الخاصة.
في صبيحة يوم الاثنين الموفق (15/3/1993، كان المجاهد ساهر تمام يقود سيارته المرسيدس من نوع (608) تجارية في طريقه من مدينة نابلس، ناقلاً حمولة من الطحينية والحلاوة من مصنع والده في مخيم بلاطة إلى تجار بمدينة رام الله.
وعند عودته على نفس الطريق في حوالي الساعة العاشرة صباحاً، شاهد في طريقه الرقيب أول “عوفر كوهين” (27 عاما) والرقيب اسحق برخا (24 عاما)، وهما ينتظران في محطة الباصات القريبة من مفترق “شيلو” في طريقهما إلى معسكر الجيش الصهيوني القريب من مدينة نابلس لتأدية الخدمة العسكرية الاحتياطية السنوية.
بدأ المجاهد ساهر تمام بالدَّوس على دواسة البنزين لترتفع سرعة السيارة بشكل كبير لتنطلق بسرعة كبيرة جدا، وعندما اقتربت السيارة منهم، حرف التمام مقود السيارة متجاوزاً الرصيف ليدهس الجنديين قبل أن يغادر المجاهد المنطقة بعد رآهما في مرآه السيارة غارقين بدمائهما.
فشل العثور عليه
على الرغم من محاولة مغتصب شاهد العملية اعتراضه بإطلاق عدة عيارات نارية على السيارة، وإثر فشل المغتصب الصهيوني إصابة السيارة، قام باستدعاء الطواقم الطبية الصهيونية التي لم تتمكن هي الأخرى من إنقاذ حياة جنودها اللذين توفيا بعد دقائق.
ووصلت إلى المكان قوات كبيرة معززة من جيش الاحتلال وقوات حرس الحدود، وبحضور “مشيه يعلون” قائد القوات الصهيونية في الضفة الغربية والقائد الجديد للمنطقة الوسطى الصهيوني: “نحميا تماري”، وإثر فشل القوات الصهيونية في العثور على القسامي المجاهد ساهر التمام، عاث الصهاينة تخريباً وفساداً في ممتلكات الفلسطينيين بالمنطقة.
ووسعت القوات الصهيونية من عملية البحث عن المجاهد القسامي في المناطق المحيطة بمساندة المروحيات صهيونية، إلا أن المجاهد التمام كان وقتها قد وصل إلى قرية “يتما” قضاء نابلس وقرب قرية “زعترة” حيث ترك الباص الذي كان يقوده هناك، لينتقل عبر الجبال بعد أن ساعده سائق أحد الجرارات ومشياً على الأقدام للوصول إلى قادة القسام.
أول استشهادي
هناك وجد المجاهد عبد الناصر عطا الله في مسجد جامعة النجاح الوطنية ليخبره بما حصل معه، وينقله فيما بعد إلى أحد مخابئ كتائب القسام، بعد أن أصبح أحد مجاهديها، حيث شارك معهم في الكثير من الطلعات الجهادية والاشتباكات المسلحة قبل أن ترشحه قيادة القسام في شمال الضفة الغربية ليكون من الاستشهاديين.
احتاجت السيارة المفخخة الأولى التي أعدها مهندس كتائب القسام الشهيد يحيى عياش لاستشهادي، ليقودها إلى معسكر صهيوني في منطقة الغور المحتل، فتم اختيار ساهر تمام وفتح الطريق أمام عشرات الاستشهاديين في صفوف القسام في مختلف أنحاء فلسطين ومن مختلف الفصائل.
في 16 نيسان/ أبريل 1993 انطلق الشهيد ساهر التمام بسيارته المفخخة التي اخترقت كل الحواجز والإجراءات الصهيونية، واتجه بأقصى سرعته نحو المستوطنة الصهيونية، وما هي إلا لحظات حتى دوي الانفجار الهائل في ساحة المقهى بين حافلتين عسكريتين الأولى مستأجرة من شركة أيجد (خط 96) لتقتل عشرات الجنود الصهاينة في الحافلة الأولى والتي كانت ستقلهم من طبريا إلى القدس، بينما أقلت الثانية جنوداً من غور الأردن إلى وسط فلسطين المحتلة.
وأسفر الانفجار الهائل عن سقوط عشرات القتلى والجرحى واحتراق الحافلتين كلياً وإلحاق أضرار كبيرة بالمطعم، وجعل الجنرال “يهودا باراك” رئيس هيئة الأركان الصهيونية يسرع إلى المنطقة ويضع قواته التي قامت بتمشيط المنطقة بمساندة الطائرات المروحية.