ليس أصعب على الجندي في ساحة المعركة من لحظة تجريده من سلاحه، ووقوفه مهزوماً أمام أعدائه، فمن رفع يديه مُستسلماً، بعد أن ألقى سلاحه فقد انكسر، وخرج من معادلة الصراع، وصار جزءًا من معادلة الأسر، والانقياد إلى أوامر وتعليمات المنتصرين، وليس له عليهم إلا حقوقه الإنسانية.
الضابط الإسرائيلي هدار غولدن وقع أسيرًا في أيدي رجال المقاومة الفلسطينية في أثناء المعارك الطاحنة التي غطَّت سماء رفح، في تلك اللحظات التي لا تدري فيها نفسٌ عن نفسٍ شيئاً، والقذائف تُغطي بدويِّها المكان، وذرات البارود تُعبئ الصدور، في تلك اللحظات الانفعالية من عُمر المواجهة، أُسر الضابط هدار جولدن، وسيطر الرعب على زملائه في المعركة، وحط سخام الدهشة والحيرة والارتباك على رؤوس قادته في الجيش، الذين فقدوا زمام المبادرة، وفقدوا عقولهم، وصاروا يقصفون مدينة رفح من جميع الاتجاهات، بلا وعيٍ عسكري، وبلا حكمة سياسية.
لقد قُضي الأمر، ثماني سنوات والضابط الإسرائيلي هدار غولدن، مجهول المصير بالنسبة إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، وذلك على الرغم من زعمهم “وفاته” رسميًا، وعلى الرغم من محاولة القيادة السياسية طيَّ هذه الصفحة التي تنزُّ عليهم صديدًا مؤذيًا، ثماني سنوات وقيادة الاحتلال الإسرائيلي تُوهم المجتمع الإسرائيلي بأن هدار جولدن في عداد القتلى، حتى جاءت بندقيته، وأطلَّت بكامل هيئتها أمام مئات آلاف الفلسطينيين المُحتفلين بانطلاقة حركة حماس، وراحت تستعرض شكلها أمام أعين قادة (إسرائيل)، الذين صدمهم مشهد البُندقية، وهم يعرفون أن الجيش الذي يفقد بندقيته، يكون قد فقد شرفه العسكري، ويكون قد تخلى عن رجاله وسط المعارك.
لقد تعمدت حركة حماس أن تعرض بندقية الضابط الإسرائيلي الأسير في ذكرى انطلاقتها الـ35، بهدف إيصال رسائلها العسكرية والسياسية، وهي:
أولاً: من يعرض سلاح الجندي الأسير يريد أن يقول لقادته: لم تكن المقاومة مرتعبة وخائفة في المعركة، كانت المقاومة تسيطر على الميدان، والدليل على ذلك عدم الاكتفاء بأسر الضابط الإسرائيلي، والانسحاب من المكان، بل تعمدت المقاومة أن تجلب مع الضابط سلاحه، وفي إظهار السلاح رسالة ثقةٍ وتمكين.
ثانياً: عرض سلاح الضابط الإسرائيلي لا يهدف إلى الضغط على القيادة الإسرائيلية لتنفيذ صفقة تبادل، فقيادة حماس تدرك أن لا صفقة تبادل في هذه المرحلة الانتقالية من عمر الحكومات الإسرائيلية، عرض السلاح يحمل رسائل إلى الحكومة الإسرائيلية التي تتشكل حديثًا، ويرأسها نتنياهو، بأن أسر الضابط غولدن قد تم في عهد نتنياهو، وأن جميع الحروب التي قادها حزب الليكود ضد أهل غزة كانت خاسرة، ونتائجها لصالح الشعب الفلسطيني.
ثالثاً: عرض سلاح الضابط الإسرائيلي جاء رسالة طمأنة للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بأن لدينا أسرى أحياء، فمن أمسك بسلاح الضابط الإسرائيلي وسط المعركة، قد أمسك بصاحبه حيًا، وبهذا سنجبر عدوكم على تحريركم مهما طال الزمان، وإننا قادرون على فرض شروطنا.
رابعاً: عرض السلاح الإسرائيلي بهذا الشكل المُهين للعسكرية الإسرائيلية، يحمل رسالة إلى الجنود الإسرائيليين، مفادُها: ابتعدوا عن غزة، ولا تقتربوا من سِياجها، فغزة أرض تبتلع أعداءها، وقد استعد لكم رجالها، وباتوا جاهزين ليوم اللقاء.