بعد مرور عشرين سنة على اغتيال القائد صلاح شحادة، بتاريخ ٢٢ / ٧ / ٢٠٠٢، وحتى يومنا هذا، لم يحاسب العدو الإسرائيلي على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، ومن ضمنها جريمة قصف الطائرات الإسرائيلية لمجمع سكني في حي الدرج في غزة، بصاروخ يزن طنًا، راح ضحيته 17 شخصًا من النساء والأطفال والشيوخ، إضافة إلى الشيخ صلاح شحادة، ومساعده البطل زاهر صالح نصار، وقد جرح في القصف 150 شخصًا، بعضهم جراحه بليغة.
جرائم العدو الإسرائيلي واضحة المعالم، وبشهودِ الحال، وموثقة بالفيديو، وعرضت صور الشهداء وجنسهم، وتاريخ ميلادهم، ومع ذلك، فلا محاسبة لإسرائيل، ولا ملاحقة لقادتها، وكأن دم الفلسطيني مستباح للطائرات الإسرائيلية منذ ما قبل النكبة، حتى يومنا هذا، وكأن حياة الفلسطيني خارج حسابات حقوق الإنسان.
لا يتحمل المجتمع الدولي وحده المسؤولية عن عدم ملاحقة العدو الإسرائيلي على جرائمه، بل يتحمل قادة السلطة كامل المسؤولية، فهم عقدوا عشرات اللقاءات، والاجتماعات مع الإسرائيليين، دون مسائلة القتلة عن دم الضحايا، قيادة السلطة أدارت سنوات طويلة من المفاوضات دون أن يكون العدوان على المدنيين جزءًا من المساءلة والمتابعة، ومنذ اتفاقية أوسلو المشؤومة، وقيادات السلطة تدوس على دم الضحايا الفلسطينيين، وتلتقي مع معظم القيادات والشخصيات الإسرائيلية، في لقاءات حميميّه، متجاهلين الجرائم الإسرائيلية، التي لم تتوقف منذ مجزرة الإرهابي “جولدشتاين” في الحرم الإبراهيمي في الخليل 1994، وحتى مجزرة اقتحام مخيم جنين 2023، وتصفية عدد من الشهداء المدنيين شمال رام الله قبل أيام.
منظمات العفو الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان لا تسمع من ساكت، إنها تنتظر من يصرخ بصوت مرتفع، ومن يحرك، ويستَحث، ويتابع، ويلح بالمتابعة، ومن يعد الوثائق والمستندات التي تدين الإرهاب الصهيوني.
التقيت مع الشيخ صلاح شحادة في زنزانة تحت الأرض، في سجن الرملة، وكانت الزنزانة تضم أكثر من عشرين أسيرًا فلسطينيًا، منهم الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، والشيخ بسام أبو الريش، أمد الله في عمره، في تلك السنة 1989، تحدثت مع الشيخ صلاح شحادة معاتبًا ولائمًا، عن الطريقة القاسية في التحقيق مع العملاء في انتفاضة الحجارة، وكانت الأخبار قد وصلتنا إلى سجن نفحة، عن استعمال العنف من شباب الانتفاضة، ضد المشتبه بهم بالتعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية، وأن شباب الانتفاضة كانوا ينتزعون الاعترافات من المشتبه بهم بالقوة، إلى الحد الذي كان يعترف المتهم بعمليات لم يقترفها، ويحمل نفسه قضايا لا علاقة لها بها، بهدف التخلص من عذاب التحقيق.
استمع الشيخ صلاح شحادة إلى انتقادي بإمعان وتفكر، وقال:
في بعض الحالات، يلجأ شباب الانتفاضة إلى استخدام العنف الجسدي ضد بعض العملاء، ولاسيما أولئك المتورطين في جرائم خطيرة، استخدام القوة يكون في البداية، وتسجَّل اعترافات العميل بالصوت، وبعد الاعتراف بالتهمة، يعطي العميل فسحة من الراحة، ويطمأن، ويقدم له الطعام والشراب، ويتم التهدئة من روعه، ويعاود الشباب استجواب العميل مرة أخرى، والعميل في وضع مريح نفسيًا، ودون ضغط جسدي، ويصير تسجيل الاعتراف مرة أخرى.
بعد ذلك يقارن الشباب بين الاعترافَين، الاعتراف تحت الضغط الجسدي، والاعتراف دون ضغط جسدي، وتصير مراجعة العميل بالاختلاف بين الاعترافَين، والهدف من ذلك هو الوصول إلى الحقيقة، دون ظلم وتجبر، فنحن لا نعتمد أقوال المتهم، وهو واقع تحت الضغط، نحن نعتمد الحقيقة في الاعتراف، لتصير بعد ذلك معالجة كل حالة، حسب جرمها، وبما تستحق من جزاء عادل.
رحم الله الشهيد صلاح شحادة، كان إنسانًا قبل أن يكون بطلًا.