وراء كل مشهد في الأراضي الفلسطينية المحتلة حكاية عميقة تتحدث عن حالة شعب ما زال يقبع تحت الاحتلال منذ أكثر من 7 عقود، هنا في الضفة الغربية يرتقي الشهداء وينكل بالأسرى، وتصادر الأرض، وتقتحم البيوت الآمنة ويعبث في محتوياتها دون حسيب أو رقيب، يتصرف المحتل مع المواطنين وكأنهم مخلوقات لا تستحق الاحترام الآدمي، فيلقي بهم في مهاوي الإهانة والإذلال!
وتعمل الصحافة على نقل الصورة كما هي، مبينةً الاعتداءات اليومية على الحقوق الفلسطينية، مظهرةً أشكالاً من الجريمة التي لا عدد لها ولا إحصاء، يرتكبها جنود الاحتلال ضد الفلسطينيين صباحاً ومساءً، كاشفةً عن الصورة الحقيقية للاحتلال، فاضحةً روايته المزيفة حول احترامه لحقوق لإنسان ، متحدثةً عن أسوأ احتلال شهدته البشرية منذ قيامها فوق هذه البسيطة.
مهمة وطنية عظيمة هي تلك التي يكتبها الصحفي عن أحداث تقع على الضحايا في فلسطين، ورسالة نضالية قوية، هي تلك التي تنقلها الكاميرة موثقة الحدث مسلطةً الضوء على همجية الاحتلال، ونتيجة لتلك المهمة الوطنية والرسالة النضالية فإنَّ الاحتلال واجه كل ذاك البعد الإنساني بوجه آخر، تنوعت فيه أشكال الجريمة ابتداءً في الاعتقال ومرورا بتكسير وسائل الإعلام وليس آخراً القتل الدموي بدون أدنى رحمة.
اعتقال الصحفيين
منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين أول عام 2023 تعرض الصحفيون الفلسطينيون في الضفة الغربية إلى هجمة شرسة أدت إلى اعتقال 32 صحفياً، تعرض المعتقلون فيها إلى سياسة التعذيب بشكل ممنهج وتحت غطاء قضائي تقوده محاكم الاحتلال لانتزاع اعترافات تدين الأسير الصحفي مكبلةً حرية التعبير، محاربةً الرأي بكل ما أوتيت من قوة.
ويلجأ الاحتلال إلى منع الصوت المعبر عن الحالة الفلسطينية من الخروج عبر الأثير، فبعد أن يفشل محققو الاحتلال من انتزاع اعترافات للصحفيين تحت ضغط التعذيب والتهديد فإنَّه يصدر أحكاماً تعسفية، فمنذ اندلاع معركة طوفان الأقصى في أكتوبر / تشرين أول عام 2023 حكم على 19 صحفياً بالاعتقال الإداري. في ظروف صحية لا إنسانية وقاسية تحرمهم تلك الظروف من حقوقهم كصحفيين أسرى مكانهم الطبيعي خلف الكاميرة وليس وراء القضبان.
وعلى الرغم من إرهاب الاحتلال للحالة الصحفية في الضفة الغربية عبر الاعتقال والتهديد والوعيد إلا أنَّ الروح النضالية للأسير الفلسطيني لا توقفه شيء عن نقل المعلومة، وصياغة الحدث، وتصوير الواقعة، فالعمل على فضح جرائم الاحتلال هو بمثابة مقاومة له، وتبديد لروايته المزيفة، وفضح لجرائمه المنتشرة.
ولا يقتصر اعتقال الصحفيين على الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل تمارس السلطة الفلسطينية ذات العمل، بمقابلة الصحفيين في مقراتها على خلفية نشر الأخبار علاوةً على اعتقالهم لمنع الكلمة من الخروج للعلن، فهي ترفض أي صوت ينقل أحداث المقاومة الفلسطينية، علاوة على أنها تعتبر الصحافة بمثابة السلطة الرقابية على أدائها، وهي لا تقبل بتعدد الآراء، وترفض الحريات، وتحارب التنوع الفكري في الساحة الفلسطينية إلا ما يخدم مصالحها الحزبية الضيقة.
لذلك توجه محاكم السلطة الفلسطينية للصحفيين تهماً مثل: إثارة النعرات العنصرية مشيرةً إلى آراء الصحفيين المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تنتقد أداء السلطة، وتستند في تجريمها للحرية في التعبير إلى قانون الجرائم الإلكترونية المثير للجدل.
اعتداءات على الصحفيين
لا يقتصر العدوان الإسرائيلي على الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام المحلية بل يتعداه إلى زملائهم في الشبكات العالمية ففي شهر أكتوبر تشرين الثاني أعلنت شبكة “بي بي سي” البريطانية أنَّ فريقها الصحفي العامل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 تعرض للاعتداء والاحتجاز تحت تهديد السلاح.
وقالت الشبكة -في بيان نشر على موقعها الرسمي، “كان مهند توتنجي، وهيثم أبو دياب، وفريق بي بي سي عربي في طريقهم إلى أحد الفنادق، عندما اعتُرضت سيارتهم ثم سُحبت وهي تحمل علامة تلفزيون بالخط الأحمر- وفُتشت السيارة تفتيشاً دقيقاً ثم دفعت باتجاه الحائط.
وقال توتنجي وأبو دياب، إنَّهما عرّفا عن نفسيهما على أنهما صحفيان في “بي بي سي”، وأظهرا للشرطة بطاقات الهوية الصحفية وأثناء محاولته تصوير الحادثة، قال توتنجي، إنه رُمي هاتفه على الأرض، وضُرب على رقبته.
ويشير مركز معلومات فلسطين – معطى – إلى أنَّه منذ أحداث أكتوبر/ تشرين أول عام 2023 تعرض أكثر من 3 صحفيين في الضفة الغربية للاحتجاز وأصيب 9 آخرين، واعتدي على أكثر من 9.
عام دامٍ على الصحافة
شهد العام 2022 اعتداءات قاسية من قبل الاحتلال الإسرائيلي تجاه الصحافة الفلسطينية لا سيما اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة مراسلة شبكة الجزيرة الفضائية التي اغتيلت في 11 مايو / أيار عام 2022 في مخيم جنين بعد ذهابها لأداء مهمتها الصحفية في نقل أخبار اجتياح للمخيم.
ويشير مركز معلومات فلسطين معطى إلى أنَّ العام 2022 كان عاماً مليئاً بالانتهاكات لحقوق الصحفيين في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وسُجل في ذات العام 60 إصابة، و 19 حالة اعتقال، و 26 اعتداء بالضرب بمختلف أشكاله و 28 منع تغطية، و 6 اقتحام لمنازل، و5 محاكمات عسكرية و12 عملية احتجاز و 4 عمليات مصادرة وتحطيم ممتلكات.
وعلى الرغم من كل تلك الانتهاكات الجسيمة بحق الصحافة في الضفة الغربية التي يتبادل فيها الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية الأدوار في وأد الحقيقية ومحاولة طمس معالمها، غير أنَّ إرادة الصحفي لا يأسرها سجن ولا يمنعها تهديد عن مواصلة رسالتها السامية والانحياز إلى الضحية وأصحاب الأرض المحتلة.