يُحيي الفلسطينيون والإسرائيليون هذه الأيام مرور الذكرى السنوية الثلاثين لتوقيع اتفاق أوسلو، بالتزامن مع صعود حكومة يمينية تعده خطيئة سياسية، وقد آن الأوان للتكفير عنها من خلال جملة من المشاريع الاستيطانية العدوانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في الوقت ذاته، فإن هذه السنوات الثلاثين التي مرت منذ هذه المحاولة الفاشلة لإيجاد حلّ لهذا الصراع الذي بدأ بعدوان إسرائيلي، زادت من إدراك الجانبين أن فرصة إنجاز تسوية مع هذا الاحتلال تبدو منخفضة إلى معدومة، ولا سيما في ضوء ما تعلنه معظم الحكومات الإسرائيلية التي تلت توقيع اتفاق أوسلو عن اعتبار استمرار السيطرة على الضفة الغربية حاجة أمنية ضرورية، ما زاد من “قيمة” المستوطنين بنظر صناع القرار الإسرائيلي، بزعم أنهم يشكلون حصنا لدولة الاحتلال أمام التمدد الديموغرافي الفلسطيني.
يبدو لافتًا من خلال سلسلة التقارير الصحفية والبرامج الوثائقية التي تعرضها وسائل الإعلام الإسرائيلية في كل عام تمر فيه ذكرى توقيع اتفاق أوسلو أن نسبة واسعة من الإسرائيليين يمرّون بمرحلة ما بعد الصدمة، واعتبار أن الاتفاق فاشل، ولذلك فإن مصالحهم الأمنية تستدعي تكثيف هذا الاستيطان، والتصرف كما لو أن هذا الاتفاق أصبح من الماضي، ولا بد من طيّ صفحته، إن لم يكن ورقيًّا، فمن الناحية العملية.
في المقابل، فإن قطاعات إسرائيلية تزعم أن ما تصفه بـ”التنازل” عن الأراضي المحتلة مقابل إنجاز تسوية مع الفلسطينيين وفق صيغة أوسلو، يستدعي التخلي عن المستوطنات المعزولة في الضفة الغربية بسبب القيود المفروضة على الوصول إليها، رغم ما يضعه جيش الاحتلال من تجهيزات أمنية لازمة بغرض حمايتهم من عمليات المقاومة المتصاعدة.
جمهور إسرائيلي ثالث يدعو للتمسك بشكل مطلق بمبدأ الحفاظ على “الكتل الاستيطانية”، بعضها من منظور أمني تكتيكي، وآخر من منظور إستراتيجي في سياق ربط المسافة بين نهر الأردن والبحر المتوسط والسيطرة عليها، خاصة في ضوء الوضع الإستراتيجي الذي نشأ بعد الانسحاب من قطاع غزة الذي تمرّ ذكراه السنوية الثامنة عشرة هذه الأيام، وهي الخطوة التي تدفع معظم الإسرائيليين للاعتقاد أن نتائجها تشير إلى تدهور الوضع الإستراتيجي للاحتلال.
ليس غريبًا أن يكون العداء الإسرائيلي لاتفاق أوسلو أساسًا نابعًا من مواقف المستوطنين الذين اعتبروا الاتفاق يستهدفهم، من خلال إلزام الاحتلال بإخلاء المستوطنات، ولا سيما تلك البؤر غير الشرعية المنتشرة في كل مناطق الضفة الغربية، في الوقت الذي يعد معظم الإسرائيليين أن هذا الاستيطان بات أمرًا ضروريًا، وإن كان لتلبية حاجات أمنية وظيفية بحتة، وليس بالضرورة انطلاقًا من قناعة سياسية به.