يشير انسداد الأفق السياسي بين السلطة والإسرائيليين إلى فشل “حل الدولتين” الذي بنيت على أساسه عملية التسوية، وشهدت السنوات الأخيرة ميلا إسرائيليًّا متزايدا للحديث عن “موت” هذا الحل، واستبداله بنموذج الدولة الواحدة، بحجة عدم وجود إمكانية عملية لتطبيق التقسيم المادي للأراضي الفلسطينية المحتلة حاليًا، بسبب التطورات الميدانية التي طرأت على حدود ما يعرف بـ”الخط الأخضر”، وخطوط وقف إطلاق النار الناشئة بعد عدواني 1948، و1967.
لم تتوانَ دولة الاحتلال عن “ضم” أجزاء واسعة من الضفة الغربية لحدودها، وانعكس ذلك على تزايد المشاريع الاستيطانية، مما زاد من دوافع اكتساب فكرة الدولة الواحدة زخمًا جديدًا، ودفع “حل الدولتين” جانبًا، رغم أن هذه الفكرة التي تتطلب تحليلًا معمقًا تطرح علامات استفهام حول ما إذا كان إطار الدولة الواحدة هو بالفعل حل قابل للتطبيق.
تداول الإسرائيليون في السنوات الأخيرة نماذج محتملة لحل الصراع مع الفلسطينيين، أهمها: دولة موحدة تغطي كامل الإقليم الجغرافي دون حدود داخلية، أو الحكم الذاتي بدولة على أرض فلسطينية مستقلة، أو دولة فدرالية واحدة مقسمة إلى مقاطعتين يهودية وفلسطينية، بسلطات واسعة، أو الكونفدرالية، وهي نموذج يوجد فيه تقسيم إلى دولتين: فلسطينية ويهودية بحدود محددة مفتوحة بينهما، بينما تُنشَأ حكومة على المستوى الكونفدرالي، تجمع بين العناصر الإسرائيلية والفلسطينية، وتجعل القرارات في مجالات محددة مثل الأمن والتجارة.
يمكن الاستنتاج في ضوء هذا التحليل أنه لا تبدو هناك إمكانية حقيقية لتشكيل حل دائم ومستقر للصراع الإسرائيلي الفلسطيني في أيٍّ من النماذج المطروحة؛ والسبب الرئيس هو توقع حدوث احتكاك كبير بينهما، لأن لديهم رواسب عميقة من العداء طويل الأمد، والفجوات على المستويات الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وقلق إسرائيلي خطير بأن يؤدي هذا الاحتكاك المستمر لعدم الاستقرار، واندلاع موجات متواصلة من المواجهات والصراعات.
مع أن فكرة إلغاء الطابع اليهودي للدولة تعدُّ غير مقبولة لدى الغالبية العظمى من الإسرائيليين، ولذلك يشير معظم مؤيدي فكرة الدولة الواحدة بينهم إلى دولة تحافظ على هذا الطابع، رغم صعوبته بسبب البعد الديمغرافي؛ لأن توسيع حدود الدولة لتشمل الضفة الغربية يضيف الكثير من الفلسطينيين إليها على حساب أعداد الإسرائيليين.
يكشف طرح هذه النماذج البديلة لـ”حل الدولتين” قلقا إسرائيليا من تزايد عداء الجانبين في كل الحالات التي يصبح فيها الفلسطينيون جزءً من دولة ذات هوية يهودية، دون حصولهم على هويتهم الوطنية، وبالتالي فإن حرمان الفلسطينيين من الحقوق الكاملة في تلك الدولة الموعودة، سيعمق مشاعر التمييز والعداء؛ مما قد يؤدي لمواجهات، تصل إلى حرب أهلية داخل تلك الدولة الواحدة، البديلة لـ”حل الدولتين”، وهو ما حذرت منه محافل إسرائيلية في الآونة الأخيرة.