عقب وقف العدوان الذي شنّه الاحتلال على غزة خلال ثلاثة أيام، تظهر هناك جملة سيناريوهات محتملة لواقع السلوك الإسرائيلي المحتمل تجاه المقاومة في القطاع، ومن أهمها تزايد التقديرات الفلسطينية والإسرائيلية، بل والإقليمية والدولية، بأن وقف إطلاق النار القائم في غزة حالياً يبدو هشاً، وقد لا يصمد أمام أي اختبار، في ضوء غموض طبيعة الاتفاق الذي توصل إليه الجانبان لوقف المواجهة، وإمكانية نكوص الاحتلال عما تم التوافق عليه مع الوسطاء.
مع العلم أن الأجواء في قطاع غزة، وبعد أيام قليلة من وقف العدوان، تشهد هدوءًا حذراً، مع صدور جملة تهديدات إسرائيلية بشأن إبقاء الاستنفار العسكري على حاله في الجبهة الجنوبية، ما يعني أنه في حال لاح له “صيد ثمين” من كبار قادة المقاومة، فقد لا يتردد في اغتيالهم، ما يعني العودة مجدداً إلى دائرة المواجهة المسلحة.
في الوقت ذاته، هناك احتمالية أن يصمد وقف إطلاق النار إلى فترة زمنية محدودة، وإلى أجل مسمى، على اعتبار أن الجانبين، المقاومة والاحتلال بحاجة لهذا الهدوء، فالمقاومة تسعى لإعادة إعمار ما هدمته آلة الحرب الإسرائيلية في غزة، والاحتلال يتحضر لإجراء انتخاباته الخامسة المبكرة في نوفمبر، ويعتبر أن العدوان الأخير هو دعايته الانتخابية التي سيذهب بها للناخبين.
هناك احتمال يتضمن البقاء في الدائرة ذاتها، من المراوحة بين الهدوء النسبي والجولة الخاطفة، كما جرت العادة منذ سنوات طويلة في غزة، ما يبقي المقاومة والاحتلال معاً في حالة من الاستنزاف المتبادل، وهذا قد يعطي وصفة واضحة لبدء العد التنازلي للمواجهة العسكرية المقبلة.
الحقيقة أن هناك العديد من العوامل التي قد تدفع باتجاه واحد من السيناريوهات الواردة أعلاه، وفي الوقت ذاته تتوفر جملة من الكوابح التي قد تتسبب بعدم تحقق أي منها، وبالتالي فإن الوضع القائم في غزة لا يحمل كثيراً من الثبات والاستقرار بسبب تداخل مصالح العديد من الأطراف في الساحة الفلسطينية، وتضاربها في الكثير من الأحيان.
تفيد هذه الاحتمالات بأن المقاومة قد تكون معنية بتثبيت حالة الهدوء إلى فترة زمنية تمنحها استراحة محارب، وتفسح المجال لمشاريع إعادة الإعمار، وتوفر القدرة على إعادة ترميم قدراتها العسكرية التي استهدفها جيش الاحتلال خلال العدوان.
كما أن دولة الاحتلال التي تعاني من حالة عدم الاستقرار الحكومي، والاستقطاب الحزبي، والاستعداد للانتخابات المقبلة قد يدفع دوائر صنع القرار فيها للتوافق على استمرار الهدوء في غزة، سواء بسبب تنامي التهديدات القادمة من جبهات أخرى، التي تبدو أكثر حرجاً وخطراً من غزة، أو لعدم التأثير سلبياً في مستقبل علاقاتها التطبيعية مع الدول العربية، والأهم رغبتها بامتصاص غضب الفلسطينيين، على الأقل مؤقتاً!