ما زال الإسرائيليون منشغلين بتبعات التصريحات الأخيرة التي أطلقها قادة المؤسستين الأمنية والعسكرية، ولا سيما وزير الحرب وقائد الجيش ورئيس الاستخبارات العسكرية، خلال مشاركاتهم في مؤتمر هرتسيليا، ودفعت جميع الأوساط الاسرائيلية والفلسطينية واللبنانية والإيرانية، للاعتقاد أن شيئًا ما كان يحدث تحت السطح، وهذا اعتقاد يبدو في حينه مشروعًا، ولا داعي للتقليل منه، أو اتهامه بالتضخيم والمبالغة.
أسئلة كثيرة وجدت نفسها مطروحة إزاء هذا النوع من التصريحات، ولماذا تمّ الإدلاء بها الآن؟ مع أنه عادة ما تكون مثل هذه التصريحات العلنية ناتجة عن فهم واضح للغاية للأفعال على أراضي الطرف الآخر، أما لدى الاحتلال، فقد ازداد فهم حركة قواته عبر الحدود المختلفة، مع لبنان وغزة تحديدا.
مع العلم أن نظرة خاطفة لما يحدث على حدود الجبهة الشمالية يتحدث الاحتلال عما سمّاها التغييرات التي تحدث في أبراج المراقبة، وربما في اقتراب القوات من السياج، حيث تظهر المعلومات الاستخباراتية أن حزب الله عبر الحدود يحاول تعزيز العمل، والاستمرار في الاختراق، والوصول حتى تنفيذ هجوم آخر على غرار عملية مفترق مجدّو.
في الوقت ذاته، تطرح فرضية أخرى نفسها تتعلق باحتمال أن يكون سبب التهديدات الإسرائيلية يتعلق باستمرار التمركز الإيراني في سوريا، ومحاولة القوى والدول المعادية للاحتلال في المنطقة أن تنفذ عمليات لا يرغب في وقوعها، بل ويهرب منها، ويبذل كل جهوده لمنع حدوثها.
صحيح أن دولة الاحتلال تحوز قوات عسكرية، وقدرات قتالية، وتجري مناورات حربية، وتزعم أنها قادرة على التعامل مع هذه التهديدات من جميع الجبهات، لكنها تدرك في الوقت ذاته أن الواقع الذي تحياه متفجّر، وقد يقودها لتصعيد لا تحمد عقباه، وصولا لفرضية حرب لبنان الثالثة في الساحة الشمالية، التي قد تمتد إلى شفا حرب متعدد الساحات والجبهات.
اللافت أن الاسرائيليين، وربما سواهم، توقفوا عندما ذكره بالذات رئيس شعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال أهارون حليفا، دونا عن سواه من وزير الحرب أو قائد الجيش، لأنه ذكر حرفياً أننا “يمكن أن نصل إلى حالة حرب”، وبذلك فهو قد لا يتحدث إلى الجمهور الاسرائيلي بالذات، خاصة وأن وصفه الدقيق هو “المقدّر الوطني أو القومي”، وبذلك فهو يخاطب “العدو” بشكل أساسي، ويتحدث معه، ولسان حاله يقول: “نرى ونعرف ما يحدث لديك”.
خلاصة هذه التهديدات الإسرائيلية التي عالجتها هذه السطور في وقت سابق، أنها تتعامل مع واقع هشّ تكفي فيه قشة واحدة لإشعال حريق شامل، ولعل توزيع جيش الاحتلال مؤخرا لمنشورات تحذيرية متناثرة فوق قرى جنوب لبنان، يشير إلى أنه يستبق أي هجوم قد ينفذ انطلاقا منها باتجاه فلسطين المحتلة، دون أن يضع يده على إنذار ساخن بالضبط، أو قنبلة “متكتكة” تتحرك في الأجواء.