جامعة النجاح كغيرها من الجامعات الوطنية والأهلية الفلسطينية تقدم العلم والمعرفة لطلبتها الملتحقين بها، بيد أنَّ النضال والثورة والمقاومة تنمو بين طلابها كما تنمو الأشجار الباسقة التي تعلم أن جذورها راسخةُ في الأرض وأما فرعها فهو يعانق السماء، ما تسمع من مهندس أو رجل علم يقاوم الاحتلال في شمال الضفة الغربية إلا ويتبادر إلى الذهن ذكرها، وكأنها صانعة البندقية وشريكةٌ في المعركة.
في تاريخها القديم قافلةٌ من قادة المقاومة الفلسطينية من الشهداء أمثال جمال منصور وجمال سليم اللذين التحقا بها وتخرجا منها قبل أن يحصلا على أفضل شهادة ممكن أن يحصل عليها من يسعى إلى تحرير وطنه، ومنها أيضاً تخرج المهندس قيس عدوان أحد أبرز القادة لمعركة جنين عام 2002، وكذلك الاستشهاديين مثل حامد أبو حجلة، ومؤيد صلاح الدين، وثابت عيادة والقافلة مستمرة.
انتخابات مجلس طلبة تشبه المناورات العسكرية
في كل جامعات العالم يفوز بتمثيل الطلبة من يقدم لهم الخدمات الطلابية، ويوفر لهم الامتيازات الحقوقية، بيد أنَّ انتخابات مجلس الطلبة في جامعة النجاح الوطنية تعبر عن حاجة الناس في الضفة الغربية للارتواء من غيث النضال، فترى الكتل الطلابية تستعرض إنجازات الأجنحة العسكرية الفلسطينية القريبة منها فكتلة فلسطين المسلمة التي تمثل امتدادا طلابيا لحركتي حماس والجهاد الإسلامي تستعرضان أعمال القسام وسرايا القدس في المعارك القائمة مع الاحتلال.
حتى الكتلة التابعة لحركة فتح والتي تتزعم الوجه الفلسطيني الداعي إلى إقامة تسوية سياسية مع الاحتلال تقوم على أساس مبدأ حل الدولتين، طالما تغنت بأعمال كتائب شهداء الأقصى التي كانت تمارس النضال قبل عشرين عاماً، وتحاول تجنب التصريحات التي يدلي بها رئيس الحركة محمود عباس التي تدين المقاومة وتستنكر أعمالها تعبيراً عن المشروع التي تتبناه المنظمة.
وفي الداعية الانتخابية الطلابية يقوم الطلبة باستعراضات عسكرية مستخدمين مجسمات صواريخ كتلك التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، إضافة لبناء مجسمات تعود إلى أبو عبيدة ومحمد الضيف رمزي المقاومة الفلسطينية، وفي المقابل تبتعد عن حركة فتح عن نشر الصور المعبرة عن قادتها وهم في اجتماعات أمنية مع مخابرات الاحتلال لتنسيق صناعة الهدوء في الضفة الغربية، إضافةً إلى نفيها وجود اعتقالات سياسية لمئات الأئمة والمهندسين والشخصيات العامة في المجتمع الفلسطيني.
حصار عام 1992
أثناء إجراء الانتخابات الطلابية في جامعة النجاح الوطنية في شهر يوليو/ أغسطس عام 1992 حاصرت قوات الاحتلال الجامعة مدعية أنَّ هناك مجموعة من المقاومين يتحصنون في الجامعة وطلبت من إدارة الجامعة تسليمهم لفك الحصار، بيد أن طلاب الجامعة والإدارة رفضوا ذاك الطلب وتحصنَّ الطلبة في الحرم الجامعي بينما يمنع الاحتلال دخول أو خرج أيّ كان من الجامعة أو إليها.
تقوى المحاصرون داخل الجامعة بالطعام الموجود في مطعم الجامعة الداخلي (الكافتيريا) للحفاظ على حياتهم وبعد اشتداد الحصار بدأت مفاوضات بين الفلسطينيين والاحتلال لإنهاء الحصار وتحرير الرهائن من طلبة الجامعة المحتجزين داخلها، ثم سمح بخروج الطلبة الذين يرافقهم أطفال، وبعد جولات عديدة توصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إلى إنهاء الحصار مقابل إبعاد ثلاثة طلاب إلى الأردن.
ومع استمرار غياب دور حركة فتح النضالي في الساحة الفلسطينية ما زالت تتحدث عن ذاك الحصار وعن تلك المعركة النضالية التي مر عليها 32 عاماً والتي أعقب تلك الحادثة دخول قوات منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت في المهجر لقيادة الشعب الفلسطيني وإدارته ضمن اتفاق أوسلو المزعوم وما زال هذا الاتفاق هو الثابت لتلك الحركة التي لا يعود إليه قادتها بعد كل مرحلة نضالية فلسطينية.
اقتحام 2024 تخريب وعبث بالمحتويات
بعد معركة طوفان الأقصى المندلعة منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول عام 2023 لم يترك الاحتلال أي من المحرمات الدولية من الاقتراب إلا وانتهكها، فهدم كافة الجامعات الفلسطينية في القطاع الفلسطيني المحاصر إضافة للمساجد والكنائس وبيوت الناس والبنى التحتية، محولاً سكان القطاع المدنيين إلى لاجئين فيما تبقى من مدارس قائمة أو خيام منصوب أو بقايا بيوت تقي من الحر ولا تمنع البرد.
ففي فجر الإثنين الموافق 15 يناير/ كانون ثاني عام 2024 اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي حرم جامعة النجاح القديم عبر إحدى البوابات واحتجز أفراد أمن الجامعة وقام باعتقال مجموعة من الطلاب، وعاث في الجامعة فساداً واقتحم مصلى الجامعة وكسَّر المحتويات وانتهكت قدسية نسخ القرآن الكريم وداستها الجنود وقذفتها وسط الخراب الذي أحدثته.
ويأتي هذا الاقتحام وسط عجز الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية عن ممارسة دور دفاعي تجاه انتهاكات الاحتلال أمن المواطن الفلسطيني، ولوحظ اختفاء عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتواجدهم داخل مقراتهم البعيدة عن الحدث خطوات قليلية.
وزراة التعليم العالي تدين
وأدانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، اقتحام جيش الاحتلال للحرم القديم لجامعة النجاح الوطنية في نابلس، واعتقال عدد من طلبتها وموظفيها والاعتداء عليهم، وإحداث خراب في ممتلكاتها ومبانيها. وقالت الوزارة في بيان صدر عنها، إنَّ مواصلة الاحتلال لجرائمه، واستمراره في انتهاك حرمة مؤسسات التعليم العالي يعدان ضرباً بعرض الحائط لكل القوانين والمواثيق الدولية التي تجرم الاعتداء على هذه المؤسسات، وتكفل الحق بالتعليم للطلبة في ظل بيئة آمنة ومستقرة في الظروف كافة.
حدثٌ أصاب التعليم في فلسطين، مصادراً حق الطلبة في التعليم، وتخريب للبنية التحتية للجامعة، دون أن تتحمل قوات الاحتلال مسؤولية الجريمة، كل تلك الأحداث لا تمنع جذوة النضال أن تستمر بالنمو في داخل الجامعات الفلسطينية حتى تتحول إلى بنادق على الشوارع الإلتفافية تمطر الاحتلال بوابلها، او أحزمة ناسفة تنفجر في تجمعات الاحتلال وفي عمق كيانهم المزعوم.