يقاوم الفلسطيني في بيت المقدس الاحتلال الإسرائيلي بكل ما يملك من إرادة وصمود، لا يضره من خذله ولا من أعرض عن الانتصار لقضيته حتى يأتي التحرير، هم في تلك البقعة المقدسة قناديل أمل تنير الطريق على أرض تتكلم العربية وتلفظ الأغراب، على تلك الأرض أسلحةٌ بيضاء تستخدم لجعل حياة الاحتلال ليلاً حالكاً مظلماً، هناك شعب لم يزل يقاوم لا يتغير بتبدل الأيام، ولا ترهقه الجراحات عن المسير نحو قبلة المسلمين الأولى.
التسمية والمكان
يعود سبب تسمية جبل المكبر بهذا الاسم إلى عهد الفتح العمري لبيت المقدس عام 673 للميلاد، حين وقف عمر بن الخطاب على تلة القرية المرتفعة مكبراً مستلماً مفاتيح بيت المقدس من بطريرك القدس آن ذاك صفرونيوس ثم كتب العهدة العمرية والتي جاء فيها منع اليهود من السكن في القدس أو في فلسطين.
ويطلق آخرون على المكان اسم الجبل الثوري بسبب وجود ضريح المجاهد الإسلامي “أبي ثور” بالقرب منه، وأبو ثور هو واحد ممن جاهدوا مع صلاح الدين الأيوبي في تحرير بيت المقدس، وسمي أبا ثور لأنه كان يركب ثورا عند فتح بيت المقدس.
تقع قرية جبل المكبر في أعلى تلة إلى الجنوب الشرقي من مدينة القدس المحتلة، تحدّها من الشرق قريتا أبو ديس والسّواحرة الشرقية، ومن الشمال سلوان والبلدة القديمة، وإلى الغرب الثوري وصور باهر، وإلى الجنوب الشيخ سعد وصور باهر. وقعت قرية جبل المكبر في قبضة الاحتلال بعد عام 1967، وما زال سكان جبل المكبر ثائرين مناضلين باحثين عن الحرية والانعتاق.
مقاومة شعب
لم يتوقف سكان جبل المكبر عن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، واشتهر أهل القرية بمقاومتهم للاحتلال على الرغم من الحواجز الإسمنتية والتشديدات الأمنية المحيطة بالقرية، ففي السابع من مارس/ آذار عام 2008 توجه علاء هاشم أبو دهيم 26 عاماً من منزله في جبل المكبر إلى كنيس إسرائيلي ، في مستوطنة (كريات موشيه) غرب مدينة القدس مطلقاً الرصاص على 80 جندياً إسرائيلياً، مما أدى إلى قتل 8 جنود وإصابة 30 آخرين، قبل أن يستشهد ب 17 رصاصة اخترقت جسده الشريف.
وفي صيف عام 2014 نفذ محمد جعابيص عملية دعس بواسطة “تراكتور” في القدس، فقتل إسرائيلياً وأصاب سبعة آخرين. وفي ذات العام خرج عدي وغسان أبو جبل إلى جيش الاحتلال مستخدمين السكاكين ومسدساً فقتلا 5 من جنود الاحتلال وأصابا 7 آخرين بجراح خطيرة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، انضم علاء أبو جمل لقائمة منفذي العمليات، فخرج من جبل المكبر ونفذ هجوما مزدوجاً بالطعن بالسكين والدعس بالسيارة في القدس، فقتل إسرائيلياً وأصاب اثنين آخرين. وفي ذات العام نفذ المناضلين بلال غانم وبهاء عليان عملية ضد ركاب حافلة فقتلا 3 مستوطنين وأصابا 7 آخرين.
وفي 8 يناير/ كانون الثاني عام 2017 نفذ فادي قنبر عملية دعس ضد جنود الاحتلال فقتل 4 جنود وجرح 15 آخرين وصفت جراحهم بالخطرة. لقد كانت الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة في السنوات الأخيرة بعد عام 2008 محركاً أساسياً للمقاومة الفلسطينية في جبل المكبر بالقدس الشريف.
طوفان الأقصى
لم يكن يوم السابع من أكتوبر تشرين الأول عام 2023 إلا إعادةً للروح النضالية في الجسد الفلسطيني، ودعوةً لكل أحرار العالم أن يعيدوا تضامنهم مع القضية الفلسطينية التي ما زالت تحت القيد منذ 7 عقود، لقد كان العبور الكبير الذي قامت به كتائب الشهيد عز الدين القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية إلى مستوطنات قطاع غزة ملهماً لشباب جبل المكبر أن يسمعوا الاحتلال صوت الرصاص، وأن يذيقوهم طعم السكاكين، وأن يدوسوهم بحافلاتهم.
وفي 28 ديسمبر/ كانون أول من عام 2023 ارتجل أحمد أديب خليل عليان عويسات 23 عاما من قرية جبل المكبر حاملا سكينه الذي طعن فيه مجندة إسرائيلية وأصاب آخرين قبل أن يلقى الله شهيداً سائراً على درب الشهداء من قبله من أبناء عائلته الشهيد بهاء عليان 22 عاماً الذي نفذ من قبل عملية طعن أسفرت عن مقتل 3 جنود وإصابة آخرين بجراح.
ربما كان لتكبير عمر بن الخطاب على تلة جبل المكبر ميزةً تمنح أهل الجبل عزةً وفخاراً اختصوا به على سائر العالمين، وهذه القرية تلبي ذاك النداء في نصرة من وقع عليه ظلم الاحتلال، وهي بدورها لا تنسى وطناً قد مزقت أوصاله وسالت دماؤه الزكية وسلبت مقدساته، وأهل بيت المقدس هم في مقدمة الثوار وهم وقود هذه الثورة وسيعتلون يوماً ما عرش التحرير واستلام مفاتيح القدس بعد إزالة الاحتلال.