في حين يواصل الاحتلال الإسرائيلي حصار مدينة أريحا لأسبوعين متتاليين، فقد أدى حصاره إلى خنق المدينة وأهلها تمامًا عن الضفة المحتلة، بعد نصب قوات الاحتلال الحواجز العسكرية على مداخلها، وإيقاف مركبات الخارجين من المدينة تحديدًا وتفتيشها والتدقيق في هويات الركاب، وإعاقة حركة وتنقل المواطنين والبضائع، ضمن سياسة العقاب الجماعي التي ينتهجها الاحتلال، إذ أدت انتهاكاته في أريحا منذ مطلع العام الجاري، وفق آخر الإحصائيات لمحافظة أريحا والأغوار، إلى استشهاد 9 مواطنين، وإصابة 45 آخرين، إضافة إلى 137 معتقلًا وهدم 12 منزلًا وتوجيه إخطارات بالهدم لـ55 منزلًا ومنشأة، وما زالت سلطات الاحتلال تحتجز جثامين 6 شهداء من المحافظة.
إذًا فالهدف ليس أمنيًا كما يدعي الاحتلال، وإنما هو القتل والتنكيل وإراقة المزيد من الدم الفلسطيني، لتهجيرهم وإفراغ هذه المنطقة الإستراتيجية من سكانها لتهويدها وبناء المستوطنات، فمن المعروف أن أريحا هي من أهم المناطق الحيوية في فلسطين، لكونها حلقة وصل بين مدينة القدس والأغوار الشرقية، فضلًا على أنها منطقة سياحية، كما أنها تعد من أجود وأخصب الأراضي الزراعية وسلَّة فلسطين الغذائية، وتطل على البحر الميت من الناحية الشرقية، وتتصل بالمنطقة المصنفة “ج” حسب اتفاق أوسلو والتي تمثل 62% من مساحة الضفة وتتعرض لاستهداف ممنهج من سلطات الاحتلال لمحاولة ضمها، وهذا الأمر يكون قد سهّل عليها الالتفاف على المناطق الشرقية، ببسط نفوذها الكامل على البحر الميت، إذا نجحت في ضم هذا المثلث الشرقي، لذا تحاول حكومة الاحتلال إحكام قبضتها على المدينة للسيطرة عليها قبل فوات الأوان على غرار جنين، ليُحسب لها إنجازًا سياسيًا، في ظل فشلها الأمني والعسكري أمام زخم المقاومة المنطلقة الآن في الضفة الغربية، وعدم قدرتها على وقفها، بل أدخلتها في حالة من عدم الثقة مع مجتمعها الصهيوني، الذي يتظاهر يوميًا لإسقاطها عن بكرة أبيها.
تعتقد حكومة الاحتلال أنها تستطيع بسياسة التجويع التي تستخدمها ضد الشعب الفلسطيني فرض سياسة الأمر الواقع وإعادة أمجاد القمع والردع، فذهبت إلى فرض الحصار على أريحا، ومثله -غير معلن- على جنين ونابلس وطولكرم، إضافة إلى محاصرة 2 مليون إنسان في قطاع غزة، بما يعني أنها تحاصر أكثر من نصف الشعب الفلسطيني لماذا؟ لأنها تريد هدوءًا من جانب واحد، في المقابل تطلق يد قواتها ومستوطنيها لقتل الفلسطينيين وحرق منازلهم ومحاصيلهم وبناء المستوطنات على أراضيهم.
إن لجوء سلطات الاحتلال لسياسة فرض الحصار على المدن الفلسطينية لم تأتي من فراغ، بل بسبب الإفلاس السياسي وحالة انعدام الأمن والاستقرار التي تعيشها (إسرائيل) هذه الأيام وقد فشلت كل خطتها الأمنية السابقة لقمع المقاومة الفلسطينية، التي قد تتطور لتصبح انتفاضة مسلحة أكثر ضراوة وشراسة من الانتفاضة السابقة، ولا سيما أن كل المؤشرات تدل على اقتراب هذا السيناريو، وإمكانية اندلاعها في أي لحظة، خاصة الظهور الجديد للعمليات الفدائية التي تنفذها التنظيمات الفلسطينية، وآخرها العمليتان المنسوبتان لكتائب عز الدين القسام في حوارة وقرب مفترق الحمرا في الأغوار، وكذلك عملية حوارة المنسوبة لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى الشهر الماضي.
الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة، فكلما زاد إرهابه وتواصلت جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، كلما تواصلت المقاومة واشتد عودها، خاصة أنها تستخدم في كل عملياتها السلاح بجميع أشكاله وألوانه لصد العدوان والاحتلال، فالضغط يولد الانفجار، وعلى ما يبدو أن الاحتلال لم يتعلم من درس حصاره لغزة، التي أذاقته أصناف الخوف والرعب ودكت عمقه وأطرافه بصواريخها، وأثبتت أن الحصار المفروض عليها لأكثر من 16 عامًا لم يكن مجديًا، بل زادها قوةً وصلابةً واستطاعت تحقيق الانتصار تلو الانتصار على عدوان الاحتلال.