نشرت وسائل إعلام العدو “الإسرائيلية” خلال الأيام والأسابيع الأخيرة، جملة من التقارير والتحقيقات التي تركزت على شخصية صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، باتهامات واضحة ومباشرة، أنه يقف خلف العمليات في الضفة الغربية والقدس، خلال العام الماضي ومحاولة إطلاق انتفاضة ثالثة في الضفة على امتداد العقد الأخير، إضافة لمسئوليته المباشرة عن ما أسموها استراتيجية “ربط الساحات” التي بدأت بتنفيذها حركة حماس خلال معركة سيف القدس مايو 2021، والتي تكررت بنسخة مصغرة أكثر مباشرة مرة أخرى خلال شهر رمضان 2023 عبر إطلاق 34 صاروخاً من جنوب لبنان قبل أسبوعين على مستوطنات شمال فلسطين المحتلة رداً على الاعتداءات على المعتكفين في المسجد الأقصى.
وفي تحقيق مطول لصحيفة يديعوت أحرونوت _الأكثر انتشاراً_، دعا وخبراء أمنيون وعسكريون سابقون أصبحوا كتاباً وباحثين مرموقين، لاغتيال الشيخ صالح العاروري بمنتهى الوضوح.
صالح العاروري يوضع في دائرة الاستهداف والاغتيال من قبل كل من شارك في التقرير، والذي نشر في ملحق (سوف هشافوع) ملحق 7 أيام، والذي يُنشر في يديعوت أحرونوت، وهو الأكثر من بين الملاحق في كل الصحف يُطبع منه مئات الآلاف من النسخ عشية السبت يوم الجمعة.
اللواء متقاعد “إيتان دانغوت”، سكرتير عسكري لثلاثة وزراء جيش سابقاً ؛ دعا من على كل منصة وفي كل مناسبة منذ خمس سنوات لاغتيال العاروري،مؤكداً حسب رأيه الشخصي أنه الأكثر خطورة وأهمية اليوم في حماس، في نظره الرجل محكوم عليه بالموت وحبذا لو أن ذلك يتم عاجلاً.
ضابط “الشاباك” السابق “ميخا كوبي”، والذي يتعقب نشاطات العاروري منذ 30 عامًا، يضيف “يجب أن يكون العاروري أول الأهداف التي يجب اغتيالها، هذا شخص يتوقع منه الخطر”.
التقرير الذي تناول سيرة العاروري واصفاً إياه ” كبير الإستراتيجيين “باستفاضة منذ لحظة انتمائه لحماس في 1990 خلال دراسته في جامعة الخليل وتأثير تربيته الدينية من قبل والده كإمام لمسجد في قريته شمال الخليل على تركيبته وثقافته، إضافة لقدرته الفائقة التي تطورت خلال اعتقال استمر منذ 1992 إلى 2007 في سجون العدو، والتي قال التقرير إنه اكتسب فيها معرفة باللغة العبرية والتي مكنته من الفهم العميق لشؤون العدو ونقاط ضعفه، وحتى بعد إبعاده في 2010 ودوره الكبير في صفقة وفاء الأحرار كممثل عن الأسرى.
التحقيق غارق بالتفاصيل عن مكانة ونشاط وتاريخ العاروري الشخصي والحركي، وكله منقول على لسان خبراء ومختصون وضباط في أجهزة استخبارات العدو، وكلها تنقل صورة أسطورية، عن رؤية وتأثير العاروري بهدف زيادة مساحات الاهتمام به لأهداف مقروءة وزيادة الضغط على المحيطين به في مكتب الضفة.
رئيس الموساد السابق “يوسي كوهين” وضعه على رأس أولويات الاستهداف.
حشد المعلومات الكثيرة من جهة، والزج بأسماء دول تردد عليها العاروري أو أقام بها مؤقتا؛ مثل الأردن وتركيا وقطر ودمشق وحتى بيروت، لم يأت جزافاً في خضم هذا التحقيق التحريضي، إنما يعني رسائل تهديد مبطنة لهذه الدول بضرورة زيادة الضغط على المقاومة الفلسطينية للعمل على تحييد وتحجيم نشاطات العاروري ، وإلا سيتم اتخاذ إجراءات خارج الصندوق والسياسات المعتمدة كمحددات.
تحويل العاروري إلى أسطورة يعني ربط تحييده بزوال تحديات ومخاطر جمة، يواجهها الكيان بعد اتهامه بتصميم مسرح العمليات في الضفة الغربية، وربط المخيمات اللبنانية في المشروع وتعميق الصلات بحزب الله وإيران، مع جبهة الجنوب غزة، لم يأت من فراغ ولا يعكس مواقف الكتاب “دانجوت وميخا ملشتاين” و”ميخا كوبي” بشكل مجرد عن المؤسسة الأمنية والعسكرية.
التحقيق مليء بدس السم في الدسم وزيادة من جرعات التحريض، وإثارة الفتن الداخلية عبر افتراض خلافات بين قيادات حماس الحالية والتوقعات بالدفع بمقدرات الحركة، وعلاقاتها في آتون هذه الخلافات المفترضة والتي هي من نسيج خيال المشرفين على التحقيق وأجهزة أمن العدو من خلفهم الذين يغيظهم انسجام قيادة الحركة، وتبنيها استراتيجية واضحة متماسكة ورؤية شاملة في مواجهة العدو مع الأشقاء في فلسطين، والأصدقاء في الإقليم ضمن إيقاع موحد ومنسجم، كشف عمق الأزمة التي يمر فيها الكيان وهشاشة خططه الدفاعية والهجومية في مواجهة التحديات المتلاحقة.
كما أن التحقيق يتزامن مع التغييرات الإقليمية والتي شملت زيارة وفد من الحركة للمملكة السعودية.
التحقيق عبارة عن لائحة اتهام مفصلة لاغتيال واستهداف القيادي العاروري وافتراض أن ذلك حل لمشاكل الإحتلال التي يتسبب بها وجوده، وممارساته في محاولة لاختزال نضال الشعب الفلسطيني وجهاد حركة حماس ورؤية قيادتها واستراتيجيتها المتبناة من كل قياداتها بالتنسيق والتوافق مع القوى الحية في المنطقة، تؤكد أن الاحتلال لا زال غارقاً في تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، ومغمضاً عيناه عن محفزات نضال الشعب الفلسطيني وتمسكه بوطنه والتضحية في سبيل تحريره.
كما يُؤكد التقرير صحة المسار الذي تسير فيه كل مكونات محور المقاومة في المنطقة وينعكس ذلك في الألم والحيرة التي ظهرت في المقروء والمخفي بين السطور .
فاعتماد استراتيجية واضحة والتفاف كل القوى حولها ورصد كل الموارد، وتضافر الجهود لإنجاحها والترفع عن المعارك الجانبية التي يغذيها الاحتلال ويستفيد من نتائجها يعتبر الوصفة الأنسب والطريق الأقصر لتحقيق أهدافنا.
على خطورة التقرير وما تضمنه من معلومات ودسائس خبيثة ومحاولات فرق تسد داخلياً في حماس ومع مكونات الأمة في المنطقة إلا أنه فرصة للاطلاع على ما يجول في الغرف المغلقة من خلال كُتاب سابقين في المؤسسة العسكرية والأمنية.