فيما يواجه الاحتلال حالة من الغليان الداخلي وعدم استقرار سياسي، فإنه بات يفتقد في الوقت ذاته حملة العلاقات العامة، لأن اللقاءات التي يعقدها قادته مع زعماء العالم لم تعد تجد ذات النجاح لتسويق المنتج التقليدي بالزعم أنه “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، وهو ما لم يعد يقنع حلفاءه الرئيسيين، لأن ما تشهده الأسابيع الأخيرة منذ اعتلاء نتنياهو للسلطة من جديد يقدم المزيد للعالم من التشكيك في هذه البضاعة الكاسدة.
أكثر تفصيلًا، فإن قدرة نتنياهو على تسويق الاحتلال بأنه معقل “للحرية في الشرق الأوسط” لم تعد تجد من يشتريها من دول العالم، بمن فيه أصدقاؤه المقربون، ما يعني غياب ما يمكن تسميته “شراكة القيم” بين الاحتلال والمنظومة الغربية، وبالتالي يبدو هذا المنتج تالفًا أمام تصاعد الاحتجاجات الإسرائيلية الداخلية مع أن نتنياهو، كشخصية تسويقية، يدرك معنى انخفاض قيمة هذا المنتج الذي يسوّقه لحلفائه الغربيين.
فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني والشعوب العربية، فلم يكن هذا الاحتلال الغاشم في يوم من الأيام ديمقراطيًا، ولو للحظة واحدة، بدءًا بأحداث النكبة 1948، مرورًا بالحكم العسكري، إلى احتلال 1967، وما واكبها من انتهاك منهجي لحقوق الفلسطينيين، لكن كل ذلك لم يمنع الزعماء الغربيين رعاة الاحتلال من غض الطرف عن جرائمه، وأن ينظروا لها بوصفها “حادث سيارة” عرضي ليس أكثر، طالما أن هذا الاحتلال يؤمّن مصالح القوى الاستعمارية الغربية.
يعود غضّ الطرف الغربي عن جرائم الاحتلال لأنه منذ عقود طويلة، يُعد أصلًا استراتيجيًا لهذا الغرب الكولونيالي، ما جعلها تتمتع بالبعد العالمي، والحصانة من الملاحقة، والتسويق السافر لدى المجتمع الدولي، حتى أن مفهوم “الأمة الناشئة” ساعد في رسم صورة للاحتلال لكونه جزءًا لا يتجزأ من المنظومة الغربية.
اليوم ومع دخول المظاهرات الإسرائيلية الداخلية أسبوعها السابع على التوالي فقد بات الغرب ذاته، بمن فيهم الزعماء والقادة، بعد الأوساط الإعلامية والجماهيرية، على قناعة متزايدة بأن مسائل تعزيز سيادة القانون في دولة الاحتلال باتت موضع شك، بل أصبحت هشة وقابلة للكسر، بحيث تضاف دولة الاحتلال لدول أوروبية منبوذة منها المجر وبولندا، المصنفتان بأنَهما تمثلان نهاية لحكم القانون، وبداية لنظام الشمولية، ونتيجة لهذا التوصيف جمّد الاتحاد الأوروبي تحويل منح إليهما بأكثر من خمسة مليارات يورو.
صحيح أن دولة الاحتلال ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي لا يمكن له استخدام نفس أدوات الضغط عليها، لكنه يمنح أهمية لافتة في علاقاته الخارجية لسيادة القانون أو نوعية النظام الديمقراطي، بالرغم من استمرار المصالح المتبادلة بين المنظومة الغربية عمومًا، وربيبته الاحتلالية في فلسطين المحتلة.