كما كان متوقعا للعدوان الإسرائيلي أن ينتهي، خشية تمدده لجبهات أخرى، وقد كان سيناريو غير محتمل بالنسبة للاحتلال، لكنه ممكن الحدوث، وسط عدم قناعة بما يردده قادته عما سمّوه “تغيير المعادلة” مع المقاومة، وهي عبارة دأب على تكرارها رئيس الحكومة نتنياهو دليلًا على صوابية عدوانه.
تحتاج مفردة “تغيير المعادلة” التي يدّعي الاحتلال إنجازها لتحليل إحصائي بالإشارة إلى أن الأيام الخمسة للعدوان شهدت إطلاق 1400 صاروخ من غزة باتجاه المستوطنات، بمعدل 300 صاروخ تقريبًا يوميًا.
بعبارة ملطّفة، وفق حديث المحلل العسكري يوسي ميلمان، فإنه في عام 2006، وخلال حرب لبنان الثانية، وخلال 35 يومًا من الحرب، تم إطلاق ما يزيد على أربعة آلاف صاروخ، أي أننا أمام إطلاق 114 صاروخًا يوميا، وبهذه البيانات يدعي نتنياهو “تغيير المعادلة”، بحيث بات إطلاق الصواريخ أكثر من 150٪ في سبعة عشر عامًا!
في المحصلة، إن فكرة المعادلة والمعادلة المضادة التي تحققت خلال العدوان المنتهي لتوّه، أنه لن يتم اعتباره حدثًا حاسمًا، لكنه سيصبح ذاكرة قاتمة بجولة أخرى قادمة من القتال، يبدأ باغتيال واحد من القادة، ثم يتلقى الاحتلال وابلًا من إطلاق الصواريخ الكثيفة باتجاه الجنوب والوسط، ما يعني أن ما مرّت به عملية صيانة الردع لم تعد مجدية، عقب سقوط عدد لا يحصى من الصواريخ.
من خلال نظرة فاحصة للوراء، منذ 17 عامًا يخوض الاحتلال جولات قتالية عدوانية ضد غزة هدفها الأساسي تحقيق التهدئة حتى الجولة التالية، وهذه هي المعادلة الإسرائيلية: الهدوء لفترة معقولة مقابل وقف إطلاق النار، وفي الوقت ذاته منع تغيير المعادلة على يد المقاومة، مع أنه من منظور أوسع، تتزايد محاولة تغيير المعادلة على جميع الجبهات، خاصة في الشمال والجنوب.
منذ معركة سيف القدس قبل عامين، تحاول المقاومة، وتنجح إلى حدّ ما، في ربط إطلاق النار من غزة بخطوات الاحتلال، الحقيقية أو المتخيلة، في حين تواصل قواها مجتمعة الاستعداد لمواجهة قد تكون أكبر في المستقبل، ما يدفع الاحتلال لتجنبها أكثر من أي شيء آخر، في حين ينظر الإسرائيليون للمحاولات المتزايدة لتأسيس معادلة جديدة في جميع القطاعات أنها مرتبطة بحالة الإضعاف التي تمر بها دولة الاحتلال.
الخلاصة الإسرائيلية مفادها أن قوة الدولة ليست مجرد مسألة موضوعية، تعتمد على عدد الجنود ونوعية الأسلحة والاستخبارات فقط، فلديها جوانب أخرى تتعلق بمدى استعدادها لاستخدام سلطتها، والذهاب للحرب، وفي الوقت ذاته فإن الأزمة الداخلية الخطيرة لدى الاحتلال، والتصدعات الظاهرة في التحالف مع الولايات المتحدة، من شأنها أن تضعف صورته، في بيئة جغرافية تتوقع تفككه منذ عقود.