مباشرة، وبدون مقدمات: لماذا يجب أن تقلق مذكرة توقيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي رئيس وزراء للاحتلال، ولا سيما بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تراجعًا في ثقة المجتمع الدولي بإجراءاته المتمثلة في الانقلاب القضائي الذي ينفذه، بالتزامن مع مسؤوليته عن جرائم قواته في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما يعني إمكانية تدخل المحاكم الدولية، وبالتالي تعرض رؤساء حكومات الاحتلال لمزيد من الدعاوى القضائية.
صحيح أن إصدار المحكمة الجنائية الدولية لمذكرة التوقيف بحق بوتين، جاءت لتحميله المسؤولية عن قراراته في جرائم الحرب التي ارتكبتها قواته في أوكرانيا، لكنها قرئت لدى دولة الاحتلال أنها بمثابة تحذير لنتنياهو الذي يسعى إلى إضعاف نظام القضاء المحلي.
في الوقت ذاته، فإن بعض التمهل في قراءة مذكرة التوقيف الدولية بحق بوتين لا تظهر استعداد المجتمع الدولي لمحاسبة القادة على انتهاكات حقوق الإنسان، بدليل أن غالبية قادة المنظومة الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، متورطون حتى النخاع بجرائم الحرب، خاصة ونحن نحيي في هذه الأيام الذكرى السنوية العشرين لجريمة العصر في العراق، وقد تورط فيها زعماء أمريكا المجرمون، الذين قتلوا وأصابوا وشردوا ملايين العراقيين.
على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، وبالتزامن مع إصدار مذكرة توقيف بوتين، فإن نتنياهو يظهر مسؤولًا عن ارتكاب قواته للمزيد من جرائم الحرب ضد الفلسطينيين، وفي الوقت ذاته يواجه بانتقادات متسارعة من المجتمع الدولي بسبب إجراءاته التعسفية الهادفة إلى إضعاف النظام القضائي المحلي، وقد يتجلى هذا الضغط بطرق مختلفة، بما فيها التوترات الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية والتغطية الإعلامية السلبية، التي قد تقوض مكانة الاحتلال الدولية، وليس بالضرورة أن تصل حدّ إصدار مذكرة توقيف دولية ضده.
اللافت أن الأصوات الإسرائيلية المعارضة للحكومة اليمينية الفاشية الحالية سعت إلى استغلال صدور مذكرة توقيف بوتين، لاعتبارها بمثابة تذكير بأن أي محاولة للمساس بالنظام القانوني ستقابل على الأرجح بمواجهتها داخليًّا بين الإسرائيليين، ونشوب الخلاف حولها خارجيًّا، وإذا كان يُنظر إلى هذه الحكومة بأنها تحاول تقويض استقلال النظام القضائي، فقد يؤدي ذلك إلى استفزاز أحزاب المعارضة للرد على مثل هذه الإجراءات، ما يخلق مشهدًا سياسيًّا أكثر تحديًّا لرئيس الوزراء الذي يدير ظهره لكل معارضيه، داخليًّا وخارجيًّا.
إن مذكرة توقيف بوتين تسلط الضوء، بنظر قطاعات واسعة من الإسرائيليين، على العواقب المحتملة لتقويض سيادة القانون، ومحاولة لإضعاف النظام القضائي، فضلًا عن استباحة جيش الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وسياسة “الأصبع المرتخية” في الضغط على الزناد، ما قد يخاطر بإيجاد سابقة خطيرة بموجبها يتم توجيه مذكرات توقيف بحق قادة إسرائيليين في المستقبل، على الرغم من الحماية الأمريكية القائمة، على الأقل حتى الآن.