مع إحياء الذكرى السنوية الـ14 للعدوان الإسرائيلي على غزة، الذي وقع في مثل هذه الأيام من 2008، نستحضر ما شهده الاحتلال من نقاشات عاصفة في أروقة الحكومة والجيش، وتحديد ثلاثة أهداف رسمية للعدوان، أولها الوصول إلى مرحلة من الهدوء تستغرق وقتًا طويلًا، وثانيها منع المقاومة من إعادة التسلح من جديد، وثالثها استعادة الجندي الأسير “شاليط”.
انتهى العدوان بعد عدة أسابيع سُجِّل فيها آلاف الشهداء والمصابين، ودُمرت البنية التحتية، وقد تحقق هدوء نسبي، دون أن ينسب ذلك بالضرورة إلى القوة العسكرية الغاشمة فقط، بقدر ما قد يكون حسابات ميدانية خاصة بالمقاومة ذاتها، أما الهدف الثاني لوقف ظاهرة تهريب الأسلحة إلى غزة، فالاحتلال بعد مرور هذه السنوات لا يرى أنه تم فعلًا، وهو ما كشفته لاحقا العدوانات الإسرائيلية على القطاع في أعوام 2012، و2014، و2021، و2022، في حين كان مصير الهدف الثالث الفشل الذريع، لأن الجندي خرج من أسر المقاومة بصفقة تبادل مشرفة، رغم أنف الاحتلال.
يستذكر الكثير من القُرَّاء كيف أن هذا العدوان حصل قبل ستة أسابيع فقط من إجراء الانتخابات الإسرائيلية، وهنا يكمن الهدف الرابع المتمثل بتحقيق فوز فيها، واستمرار بقاء حزب كاديما الناشئ للتو في السلطة، ما عُدَّ في حينه مفاجأة حقيقية غير سارة لعدد من الأطراف، بسبب توقيت الحرب، وقدَّرت أن الاحتلال لن يلجأ إلى تنفيذ عملية عسكرية بهذا الحجم والاتساع قبل إجراء الانتخابات، وتشكيل الحكومة الجديدة!
ومع ذلك، فقد كان ذهاب الحكومة باتجاه هذه العدوان على غزة قرارًا ذي رسالة حزبية بليغة في هذا التوقيت، وذي صلة وثيقة بالعملية الانتخابية، وأراد متخذوه توجيه الناخب نحو مواقفهم عند التصويت في صندوق الاقتراع، ما يعني أن حسابات الحرب الداخلية الحزبية كما في كل عدوان كانت عالية وكبيرة، لكنها في الوقت ذاته جعلت أهدافها الثلاثة الواردة أعلاه غير قابلة للتحقق دفعة واحدة، أو على الأقل ليست مضمونة التنفيذ.
ربما لا يكون من الوجاهة تجاهل الرغبة لدى مفاصل هامة عند الاحتلال المطالبة بالخروج إلى هذه العملية في حينه، وقد امتازت منذ اليوم الأول وحتى نهايتها بدعم شعبي وجماهيري حاشد من الجمهور الإسرائيلي، الذي عدها حرب “اللا خيار”، بمعنى أنه لم يكن أمام الحكومة في حينه أي احتمال آخر سوى اللجوء إلى تنفيذها، كما منح الدعم إلى طريقة إدارتها، وتفعيل القوة العدوانية فيها، وعلى الرغم من ذلك جاءت نهاية العدوان كما العدوانات اللاحقة، دون أن تُقدِّم إجابات شافية عن توقعات قسم كبير من الإسرائيليين، إن لم نقل أنها ولّدت لديهم مشاعر الإحباط واليأس من قدرة القوة الفتاكة على تحقيق أهدافهم!