الكاتب: القيادي رأفت ناصيف
لم يعد من المقبول أن نغمض أعيننا عن الحقيقة، لقد أعدم الصهاينة بطريقتهم في قتل الشهيد البطل عمار مفلح بدم بارد في بلدة حوارة جنوب نابلس. أصوات كل أولئك الذين ينادون بـ “عقلنة الصراع مع الاحتلال”، عمار شاب يمثل الفلسطيني العام، صارع بكفيه فقط جندياً صهيونياً مدججا بسلاحه، عمار لم يصغّر الأكتاف ولم يتنكب الطريق.
وعمار يا كل الدنيا شاب من الجيل الفلسطيني العتيد. هو بعكس كل ما أرادوا (ما بحط واطي) ولا يظن أحد أن السلاح بيدي عدوه يخيفه أو يجبره على الانحناء.
وعمار تماما صورة لشباب حارة الياسمينة في نابلس القديمة. كان يمكنهم أن يتركوا العاصفة تمر بهدوء ويطأطئوا لها الرأس، وهو أيضاً طبق أصل من التحق بهم من شبان في أعمار الورد ليقاتلوا ويستشهدوا مع عرين الأسود.
عمار الذي أعدمه جندي صهيوني بدم بارد لم يكن يحمل السلاح. إذا كان حمل السلاح جريمة المقاومين في الخليل ورام الله وجنين ونابلس وطولكرم، فعمار ببساطة قتل لأنه رفض تقبل الإذلال، وفي داخل كل واحد منا عمّار هو ذات يوم مشروع شهيد.
عمار يشبهنا في كل شيء، له ذات عزة الفلسطيني الذي يقاتل ولو لم يكن بيده سلاح، له ذات الدم الذي تدفق من عروق الشقيقين جواد وظافر الريماوي، دمه له قداسة دماء رائد النعسان ومحمد عمارنة ومفيد اخليل وراني أبو علي ومحمد بدارنة ومحمد السعدي ونعيم الزبيدي.
لقد جاءت رسالة الصهاينة من قتل عمار واضحة وضوح حكومتهم الجديدة القديمة، النهج لم يتغير لكن الصورة كانت أوضح هذه المرة، قتلوه بدم بارد أمام الكاميرات، في جريمة ليست بجديدة على كيان الاحتلال المجرم القائم على الكذب والتضليل.
نعم وللمرة المليون، الاحتلال لا يتغير بكل صلفه وعدوانه وإجرامه هو الاحتلال، عرفناه منذ أيام نكبتنا الأولى ومنذ جرائمه في دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وعرفنا تركيبة عقليته الإجرامية في مجزرة الحرم والأقصى وفي نابلس القديمة ومخيم جنين، وها هو اليوم يؤكد كل ما عرفناه عنه بشلال جديد من الدم الفلسطيني المهراق.
نعم الاحتلال لم يتغير وما زال يلغ في دمائنا ويعتقل أسرانا وحرائرنا، ما زال كما هو يبني المستوطنات ويهود الأرض ويبعد المصلين والمرابطين عن المسجد الأقصى، ولكن لا بد لنا نحن أن نتغير.
نعم، لا بد أن نتغير في منطلقات تفكيرنا ومبادئنا، وأنا هنا أعني بوضوح قيادة السلطة الفلسطينية التي ما زالت تؤمن أو تتمسك بما يسمى نهج التفاوض الذي دفنه الاحتلال.
لا بد أن نتغير في سلوكنا وأدائنا، وأعني هنا مستوى السلطة الفلسطينية الأمني الذي ما زال يلاحق المناضلين والمقاتلين والمجاهدين الذين يحملون أرواحهم على أكفهم للدفاع عن شعبنا.
نعم يجب أن يتغير أولئك الذين يأسرون المجاهدين في سجونهم، يجب أن يتغير من يمارسون الشبح والتعذيب في زنازينهم ومقارهم الأمنية التي لم تعد تفرق بين مقاتل من فتح أو من حماس أو من الجهاد والجبهة الشعبية.
يجب أن يتغير أولئك الذين قادوا المشروع الفلسطيني بعيداً عن روحه النضالية فأوردوه المهالك ولامسوا القاع ووصلوا إلى طريق مسدود، كما يجب أن يتغير من تآمر على بطولة الشباب الثائر في جنين وعلى عرين الأسود.
لقد أدمت جريمة إعدام شهيدنا عمار مفلح مقل العيون واستفزت دموع العاجزين وخطاباتهم وبياناتهم وتصريحاتهم ودبلوماسيتهم، لكن هل كان ذلك كافياً لحقن دماء شعبنا وردع المعتدين عنها، لا والله، إن السلوك الدبلوماسي “البلاستيكي” بكل ما يحمل من مفردات الإدانة والشجب والمطالبات لا ينسجم مع حجم تضحيات شعبنا من جهة، ولا مع قدرته على العطاء من جهة أخرى.
إن استمرار نزيف الدم الفلسطيني الطهور يقتضي منا كفلسطينيين أولاً وثانياً وأخيراً أن نفعل كل أدوات حماية شعبنا والدفاع عن حقوقه ودماء أبنائه، فاليوم نحن نقف على مفترق طرق حاسم وخطير، إما أن نستنفر كل ما في جعبتنا كمؤسسة رسمية وقوى وفصائل سياسية ومجاميع شعبية ووطنية كي نمنح الزخم لمقاومة أبطالنا بكل أشكالها وعناوينها، عبر العودة إلى خيار الوحدة والصمود الذي يرد الاعتبار لشعبنا وقضيته العادلة، أو أن نواصل ما نحن فيه من انتكاسات وضعف وفرقة وتشرذم.
في الطريق الأول، سندفع كثيراً من الأثمان الغالية، لكننا سنصل في النهاية إلى حقوقنا الوطنية والسيادية، أما الطريق الثاني فسنفقد فيه ما لا نقوى على دفع ثمنه، سنفقد قضيتنا وسنفقد كرامتنا وسنبقى فاقدين لحرية شعبنا ووطننا.
وفي الختام، الرحمة لشهداء شعبنا وخالص الفخر بدمائهم وبتضحياتهم وكل التحايا لعائلاتهم وذويهم، وإنا إن شاء الله على طريقهم لسائرون.