الكاتب | ناصر ناصر
أدت عملية القدس المزدوجة في محطة الباصات ومفترق رامون، والمقامة على أراضي القريتين الفلسطينيتين الشهيرتين لفتا الجميلة (المهجرة)، ودير ياسين المنكوبة والمدمرة، حيث وقعت مجزرة العصابات الصهيونية الشهيرة ضد الفلسطينيين، أدت العملية إلى مقتل طالب المعهد الديني، وإصابة 31 آخرين بعضهم بجراح خطيرة جدا، وعلى الرغم من عدم وضوح الصورة الأمنية الكاملة للعملية؛ إلا أن من الممكن الإشارة إلى عدة معاني وتداعيات ومن أهمها:
أولا، إن التصعيد في الضفة الغربية والقدس قد أصبح واقعاً ثابتا وليس مجرد موجات متفاوتة تخبو وترتفع، والجديد في هذه العملية بأن التحقيقات الأولية تشير إلى عودة العمل المنظم بواسطة التنظيمات الفلسطينية الكبيرة، بعد أن سيطر المقاوم الفرد والمبدع كمحمد صوف وعدي التميمي، على ساحة العمليات في الضفة الغربية والقدس، الأمر الذي تعتبره سلطات الاحتلال نذير شؤم على أوضاعها السياسية والأمنية والاقتصادية وتحديداً في فترة تسلم الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ “إسرائيل” مقاليد الحكم فيها.
من الواضح أن المقاومة المنظمة ضد الاحتلال هي الأكثر نجاعةً من بين أصناف المقاومة الأخرى، ولعلها هذه المرة قد استخلصت بعض دروس وعبر الماضي مثل العبوة الموقوتة وليس الشخص الاستشهادي؛ وتحري المكان وهو القدس حيث تجّمع المؤسسات ورموز السيادة الإسرائيلية، والزمان المناسب لها لتكون أكثر نجاعة وفعالية ضد الاحتلال، ومع ذلك فما زالت احتمالية أن تكون العملية بالمقاوم فرد هي أمر وارد.
ثانياً، قد لا تؤدي هذه العملية على الأرجح لتغيير سياسية التصعيد والعدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين؛ فستبقى في إطار ما يسمى بحملة كاسر الأمواج الممتدة منذ أشهر، والتي تركز على شمال الضفة تحديداً وتشمل الاعتقالات والاقتحامات والاغتيالات، ولن تصل بأي حال حتى هذه اللحظة إلى مرحلة السور الواقي الشهير في العام 2002، حتى مع تصاعد عمليات الفلسطينيين وتغيير الحكومة في “إسرائيل”، فمن يحدد السياسة الأمنية في دولة الاحتلال هو المنظومة الأمنية بالدرجة الأولى وليس الهواة والمبتدئين كسموتويتش وبن غفير.
ثالثا، من غير المرجح أن تقوم “إسرائيل” بحملة عسكرية ضد قطاع غزة، رغم شدة غيظها من المقاومة فيها ،والتي تنظر وتشجع العمليات وتدعمها دون أن تدفع ثمناً لهذا الموقف وفقاً لاعتقاد كثير من قادة “إسرائيل”، وقد تقوم “إسرائيل” بحملة عسكرية معينة ضد جنين ومخيمها بحجة استعادة جثة الإسرائيلي التي تدعي بأنها بحوزة مسلحين من كتيبة جنين، وما زال الأمر وتداعياته غامضة حتى اللحظة، وقد تشهد الساعات القادمة تطورات دراماتية باتجاه إما تسليم الجثة بضمانات هشة من السلطة، وإما بعدوان إسرائيلي وحشي جديد على جنين.
رابعاً، كما أن من المرجح ألا تؤدي العملية إلى نتائج مباشرة على السلطة رغم تراجعها المستمر وتهديدات اليمين ودعواته بضربها، وقد حرص الجنرال عاموس جلعاد أحد أهم راسمي السياسة الأمنية في “إسرائيل”، في لقاء شبكة كان 23/11 على التأكيد بأن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية هي كنز وثروة أمنية لـ “إسرائيل”، وإن استمرار عملها وإن بصورة ضعيفة هو أفضل بكثير من انهيارها، فهي تمنع ما تستطيع منعه من عمليات والباقي والمشرف والرقيب هم أجهزة أمن الاحتلال في كل الأحوال.
هكذا حملت عملية القدس/ لفتا دير ياسين عدة معاني ولكن كلها في اتجاه واحد هو أن الشعب الفلسطيني ما زال مصراً على مقاومة الاحتلال الغاشم، ورفض كل سياساته الاستيطانية التوسعية وتحديداً في القدس، والتي تضرب بعرض الحائط كل الأعراف والمواثيق الدولية، وبأن هذا الشعب لا يعبأ بحكومات اليمين واليسار ولا قوات اليمام أو اليسام حتى نيل كافة حقوقه المشروعة في الحرية والعودة والاستقلال، وذلك على الرغم من كل أنواع التحديات والتهديدات وعلى رأسها المثبطات الداخلية.