مثَّل فوز الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية (مايو 2023)، رافعة قوية للتيار الإسلامي التركي، الذي بدأ يسترجع عافيته ويتنفس الصعداء بـ”أكسجين” حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة أردوغان، الذي يفوز في كل مرة بجدارة، نتيجة عمله المخلص لبلده ولشعبه، ولما حققه من إنجازات عظيمة، نال بها ثقة الشعب التركي المتعطش إلى تجديد دماء العهد العثماني في عروقه، الذي انتهت عنده آخر خلافة إسلاميَّة.
إن فوز الرئيس أردوغان بعد جولة الإعادة يعد ضربًا من ضروب الديمقراطية الحقَّة، بالرغم من كل الأزمات التي ألمَّت بتركيا في المرحلة الأخيرة، منها: انخفاض قيمة العملة التركية، وأعباء اللاجئين السوريين، إضافة إلى سلسلة الزلازل التي ضربت مدن جنوب تركيا، وخلَّفت دمارًا كبيرًا، إذ راهنت المعارضة أن تكون نقطة اختراق لمصلحتها، فحدث العكس تمامًا، فهذه الأزمات لم تؤثر في شعبية أردوغان، وقد أهَّلته للفوز بولاية ثالثة لمدة خمس سنوات إضافية، وبذلك يكون قد حطَّم الرقم القياسي، ليصبح الرئيس الأطول حكمًا في تاريخ تركيا الحديث.
كما أن فوز الرئيس أردوغان مثَّل صدمة للغرب اللاعب الخفي في السياسة التركية، لحقده الشديد على أردوغان، الذي وجه سياسة تركيا صوب الشرق العربي والإسلامي، للتحرر من هيمنة الغرب وقد أعطاه ظهره، لذا كان التآمر الغربي الناقم عليه حاضرًا في الانتخابات التركية بدعمه المطلق لمنافسه كليتشدار أوغلو ضد أردوغان، وبناء عليه أورد في هذا المقال مجملَ تلخيص الدبلوماسي السابق باتريك وينتور في مقاله بصحيفة الغارديان بشأن موقف الغرب من فوز أردوغان برئاسة ثالثة، بقوله: “الغرب يخشى أن يستغل أردوغان النتيجة لأخذ تركيا (العضو المؤسس لحلف الناتو) بعيدًا عن الغرب العلماني الليبرالي”(لا تلاحظون أن الكلمتين الأخيرتين لا تتفقان مع نهج الغرب، الذي يفضل دكتاتورًا تابعًا وخاضعًا، ويكره الديمقراطي الحر “غير التابع”)، على أي حال يُظهر الكاتب أن أي عقوبات غربية ضد تركيا ستؤدي إلى نتائج عكسية، لتخوّف الغرب من أن بيع الأسلحة لتركيا من عدمه لن ينهي في حد ذاته مقاومة أردوغان للجهود الغربية لفصله عن بوتين، وأن طلبه عضوية الاتحاد الأوروبي المعلق منذ 2018، عبارة عن “جمع الغبار” (بمعنى تحصيل حاصل)، لقوله: واشنطن أيضًا غير مستعدة لفرض عقوبات ثانوية على تركيا، وهذا يدل على أهمية هذا البلد للغرب، وعلى حد وصف الكاتب بأن إعادة انتخاب أردوغان رئيسًا نعمة للغرب.
على المستوى العربي فإن فوز الرئيس أردوغان يمثل نقلة نوعية لتحسين العلاقات التركية العربية، ليس من باب القرب الجغرافي فحسب، بل لمدى التداخل الشديد في كثير من القضايا التي تهم الجانبَين، منها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية، والثقافية، والدينية، لذا أدرك أردوغان أن خياره السياسي نحو الدول العربية، وقطع الصلة بماضٍ ألحق بتركيا ضررًا كبيرًا، هو الأصوب لمصالح بلده وشعبه، ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن نتيجة الانتخابات الأخيرة التي فاز بها الرئيس أردوغان، عبارة عن استفتاء شعبي لسياسته الخارجية أكثر منها للسياسة الداخلية، هذا من جانب، ومن جانب آخر تعد تركيا البوابة الغربية للعرب التي تصلها بالعالم الغربي وتجمع بين الحضارة الغربية والحضارة الشرقية معًا، وأيضًا تعد من الدول الفاعلة في السياسة الدولية وقوة عسكرية لا يستهان بها، إضافة إلى ذلك يُعد النظام الحاكم في تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية بحلته الإسلامية الجديدة على مدار العقدين السابقين فريدًا ومميزًا في السياسة التركية، لكونه نظامًا يختلف عن الأنظمة التركية السابقة “العلمانية” الموالية للغرب، لذا شاب هذه العلاقات بعض الفتور والنفور العربي، أما اليوم فالموقف العربي الرسمي والشعبي كان واضحًا في دعم أردوغان بكونه عنصرًا مضافًا لعناصر “التمرد العربي” المتنامي على السياسة الأمريكية تحديدًا في قضايا كثيرة خاصة انحيازها التام للاحتلال الإسرائيلي على حساب القضية الفلسطينية الأكثر حساسية للعرب.
وأمَّا على المستوى الفلسطيني الذي أعرب عن فرحته بفوز الرئيس أردوغان بأكمله، مُتمنيًا أن تواصل تركيا دعمها للقضية الفلسطينية، فلا شك أن تركيا بثقلها الكبير في المنطقة يمكنها أن تلعب دورًا رئيسًا في القضية الفلسطينية، وقد رأينا مواقفها المشرفة في كثير من القضايا الداعمة للشعب الفلسطيني، مثل تضامنها مع غزة في أثناء الحروب التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلية بين الفينة والأخرى، وإدانتها للحصار، وقد أرسلت وساهمت الحكومة التركية في تسيير الكثير من قوافل الإغاثة بهدف كسره، كذلك مواقفها الداعمة للقدس وإدانتها لاقتحام المسجد الأقصى من المستوطنين، وموقفها المعارض للاستيطان والتهويد للأماكن المقدسة، حتى أنها كادت تقطع علاقاتها مع (إسرائيل) في مناسبات مختلفة، تخلله تقليص التمثيل الدبلوماسي، لذا يمثل التدخل التركي في القضية الفلسطينية جزءًا حاسمًا، بسبب صلات وخلفيات تاريخية، وبسبب الدرجة العالية من الاهتمام الذي تلقاه هذه القضية من عموم المجتمع التركي، لذا يأمل الشعب الفلسطيني من الحكومة التركية انخراطًا تركيًا في متابعة القضية الفلسطينية، والدفاع عنها، في ظل إهمال عربي وكيل بمكيالَين من المجتمع الدولي.