يدرك القاصي والداني أن صدور قرار جديد عن مجلس الأمن يدين الاستيطان، لن يضيف زخماً جديداً على القرار رقم (2334) الصادر عن مجلس الأمن في نهاية سنة 2016.
ولا نختلف في هذا المنطق مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي تزعم أن تحقيق أي مكاسب على الأرض، مثل وقف الاستيطان، ووقف هدم البيوت، يضاهي عشرات القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن، وعن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وضمن هذا المنطق نفسه، يمكننا القول: إن التدخل الأمريكي، لوقف الإجراءات من الطرفين، لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء تداركاً لحالة التصعيد القائمة على الأرض، إذ استطاع فتية فلسطين في مدينة القدس وجنين ونابلس وبقية مدن الضفة الغربية، أن يقلبوا طاولة الأمن الإسرائيلي، وأن يزعجوا الهدوء الذي حلم به المستوطنون، بمعنى آخر، ثورة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، هي السبب في الإنجاز الذي يزعم قادة منظمة التحرير الفلسطينية أنهم قد حققوه.
فما هو الفشل الذي تحقق مقابل التخلي عن توحيد الرأي العام العالمي ضد الاستيطان؟
1ـ دعوة محمود عباس إلى زيارة البيت الأبيض، بعد تجاهل وإهمال عدة سنوات.
2ـ تسهيلات ضريبية على المعابر، تمكن السلطة من قبض المزيد من الأموال.
3ـ وقف الإجراءات الأحادية من كلا الطرفين، وهنا لا بد من التمعن في هذا المضمون، فالحكومة الإسرائيلية تتحرك ميدانًّا، وتقوم بالتوسع الاستيطاني، وتعتدي على الإنسان والبنيان، في حين السلطة الفلسطينية جامدة ميدانيًّا، وتكتفي بالشجب والإدانة، فكيف يتكافأ فعل الصهاينة مع قول قيادة المنظمة؟ وكيف تقبل القيادة أن تكون نداً للصهاينة في العدوان، وهي ساكنة الحركة؟
فماذا تقول الصحافة الإسرائيلية حول وقف الإجراءات الأحادية من كلا الطرفين؟
يقولون: إن الاتصالات الأمريكية مع الإسرائيليين دارت حول المدة الزمنية التي ستلتزم بها الحكومة الإسرائيلية بوقف الإجراءات من طرف واحد، وقد رفضت الحكومة الإسرائيلية الطلب الأمريكي بإلزامها بعدم التوسع الاستيطاني، وعدم هدم البيوت مدة سنة كاملة، لذلك تراجعت أمريكا عن مدة سنة، واكتفت بمدة ستة أشهر، وهنا تضيف المصادر الإسرائيلية: لقد تعهدت الحكومة الإسرائيلية لأمريكا بتعليق الموافقة على التخطيط والبناء الإضافي في المستوطنات ثلاثة أشهر فقط، وكذلك تقليل غارات جيش الاحتلال على المدن الفلسطينية، ثلاثة أشهر مشروطة بالتزام السلطة بخطة الجنرال الأمريكي مايكل فنزل، والتي كلفت الأجهزة الأمنية باقتحام مدينة جنين ونابلس، ومن ثم فرض هيبة السلطة في شمال الضفة الغربية، وتأمين سلامة المستوطنين على الطرقات، كل ذلك دون أن يتعهد نتنياهو بتعليق هدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية وشرق القدس، ولو ثلاثة أشهر، ودون أن يتعهد بتعليق إخلاء الفلسطينيين من منازلهم في المنطقة (ج) عدة أشهر فقط.
مأساة القضية الفلسطينية لا تتمثل بتراجع السلطة، وتنازلها، وخنوعها، واستسلامها لأمريكا و(إسرائيل)، فهذا دأب السلطة، وهذا نهج قيادة منظمة التحرير ، مأساة الشعب الفلسطيني تتمثل في موقف التنظيمات والقوى السياسية الفلسطينية، التي ترى الانحطاط السياسي، والانهيار الوطني، وتكتفي ببيانات الإدانة والاعتراض على مخازي السلطة الفلسطينية، وعلى تذلل قيادة منظمة التحرير.
كان يجب أن تتوافق كل القوى السياسية والمجتمعية مع الكم الأعظم من التنظيمات الفلسطينية في الوطن والشتات، وأن يخرجوا بموقف موحد، وأن يعلنوا خطوات عملية، تجرد قيادة المنظمة من أهليتها، وأن تنزع الشرعية الوطنية عن قيادتها، وأن تعلن للعالم أجمع، وبلسان فلسطيني فصيح أن هذه القيادة متآمرة، وخارجة عن الإجماع الوطني، ولا تمثل أصغر طفل من الشعب الفلسطيني.
دون صرخة التمرد هذه، ستظل قيادة منظمة التحرير تبيع ما تبقى من أرض فلسطين لصالح الاستيطان، وبأرخص الأثمان.