تمثل المخيمات الفلسطينية المقامة بعد احتلال أرض فلسطين التاريخية عام 1948 أثر ذاك الوطن الذي غيبه الاحتلال منذ أكثر من سبعين عاماً عن أهله الشرعيين، وعلى الرغم من حالة اللجوء وما رافقها من آلام ومشقة غير أنَّ أبناء المخيمات الفلسطينية يواصلون نضالهم جيلاً بعد آخر، لا يضرهم تقادم الأيام، ولا تآمر من تنازل عن حقهم في الأرض، ولا تغريهم الأموال المتدفقة عن صناعة فجر الحرية والانعتاق.
وكسائر المخيمات ارتبط اسم مخيم الفوار بالعديد من الأعمال المقاومة للاحتلال، وبزغت فيه شمس رجال في كبد السماء أذاقوا الاحتلال آلاماً وقتلاً ودماراً، ولم ينفك المخيم عن تقديم الشهداء قرباناً لوطنهم وجسراً للعودة علاة على قائمة تطول من الأسرى الفلسطيين بشتى أحكامهم، فمنهم من يقضي السنوات وآخرون يمضون الأشهر وغيرهم يقبعون في المؤبدات الطويلة وتشكل المقاومة الفلسطينية أملاً لأصحاب الأحكام العالية بالإفراج.
البداية والنشأة
هو أحد المخيمات الفلسطينية المقامة في جنوب الضفة الغربية بمحاذاة مدينة الخليل، تأسس المخيم عقب احتلال الأرض الفلسطينية عام 1948، وبالقرب من المخيم أقيمت مستوطنة إسرائيلية أطلق عليها اسم “حاجاي” كخنجر مغروس في الجهة الجهة الشمالية الشرقية للمخيم، وينحدر أصل سكان المخيم من 18 قرية تابعة لمناطق غزة والخليل وبئر السبع.
ويعيش في مخيم الفوار نحو 12 ألف نسمة، ما يعدّ اكتظاظاً سكانياً في مساحة لا تتجاوز الكيلومتر المربع. ويبحث الاحتلال الإسرائيلي من خلال سلسلة من الإجراءات والعقوبات على وضع حد للتزايد السكاني، ومحاولة أهالي المخيم التمدد والبناء في أراضي بلدات فلسطينية مجاورة مثل دورا ويطا والسموع. كما يخشى من أن يتوسع اللاجئون ضمن أراضٍ تحيط بالمخيم مصنفة (C) بالأساس وفق اتفاقية أوسلو الموقعة بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، وهي أراضٍ يمنع الفلسطينيون من البناء فيها.
بوابة مغلقة
يحاول الاحتلال الإسرائيلي أن يفرغ المخيم من سكانه وذلك لحماية أمن عدد من المستوطنات المقامة بالقرب منه مثل: سوسيا، وعتنئيل، وحجاي، وكريات أربع، وغيرها من البؤر الاستيطانية، ويسعى الاحتلال لصناعة مربع أمني بعد إزالة المخيم عن الخارطة الفلسطينية لحماية المستوطنين في تلك المستوطنات.
ويمارس الاحتلال سياسات تضييق وحصار على أهالي المخيم لدفعهم للرحيل عنه فيقيم عند مدخل المخيم نقطة عسكرية ثابتة تقوم بتدقيق هويات المواطنين بالإضافة إلى احتجاز الشبان منهم، وينكل الاحتلال بالأهالي وبضيوف المخيم، وعلى مدخل المخيم بوابة حديدية يغلقها الاحتلال معظم أوقات اليوم مما يمنع حركة المواطنين من وإلى المخيم كونها المدخل الوحيد له.
وتؤدي سياسة إغلاق البوابة الحديدة إلى تنفيذ عقاب جماعي لأهالي المخيم وتلعب دوراً في تأخير وصول الموظفين إلى عملهم، وطلبة الجامعات لدوامهم الدراسي، إضافة إلى صعوبة وصول الحالات المرضية والإنسانية إلى مستشفيات مدينة الخليل لتلقي العلاج، كما تعرقل حركة مرور البضائع التجارية للمخيم ويتذرع الاحتلال بأنه يغلق البوابة حتى يردع عمليات رشق الحجارة والزجاجات الحارقة التي تتعرض لها مركبات المستوطنين المارة على الخط الاستيطاني.
عريس شهيد
وفي تاريخ المخيم النضالي العديد من القصص مثيرةٌ للاهتمام، لا سيما تلك التي يفقد فيها الإنسان حقه في إكمال حياته بشكل طبيعي، ومنها حين يتحول الزفاف إلى جنازة شهيد، وفي انتفاضة الأقصى عام 2000 خرج الشاب سامر الخضور 19 عاماً عشية زفافه حاملا مقلاعه، مشاركاً أقرانه في رمي الحجارة على جنود الاحتلال ولم يمض أكثر من نصف ساعة حتى عاد سامر شهيداً محمولاً على الأكتاف.
وبين لحظة وأخرى تحول حفل العرس إلى جنازة شهيد، والحضور إلى مشيعين، وبدلاً من أن تدخل السعادة إلى بيت فلسطيني جديد، أدخل الاحتلال القتل والدمار لعائلة هجرت من أرضها عام 1948 وما زال الاحتلال يلاحقها حتى في مخيمات اللجوء.
من مخيم الفوار الرد المقدس
كان لاستشهاد المهندس يحيى عياش أثراً كبيراً على المقاومة الفلسطينية والتي قررت الرد العنيف على الاحتلال عبر عمليات استشهادية، فترجل شابين من مخيم الفوار وهما إبراهيم السراحنة ومجدي أبو وردة، وانطلق الاستشهادي إبراهيم مرتديا حزاماً ناسفاً إلى محطة للباصات في مدينة عسقلان وفجر نفسه في أول رد على عملية اغتيال المهندس يحيى عياش، أوقع فيها عشرات القتلى والجرحى بين جنود الاحتلال.
وفي إحدى حافلات النقل الإسرائيلية فجر مجدي أبو وردة حزاماً ناسفاً في قلب مدينة القدس المحتلة في عملية أدت إلى مقتل 28 إسرائيليا، وجرح نحو خمسين آخرين بجراح، وصفت جراح العديد منهم بأنَّها خطيرة.
أسير مؤبد
كسائر أبناء الشعب الفلسطيني يقبع العديد من المناضلين خلف قضبان الاحتلال الإسرائيلي منهم من يقضي سنوات وآخرون مؤبدات، ومن أسرى مخيم الفوار الأسير محمد عطية محمود أبو وردة الذي اعتقل في الرابع من نوفمبر/ تشرين ثاني عام 2002 وما زال في القيد حتى يومنا هذا، بعد أن أصدرت عليه محكمة إسرائيلية بالسجن المؤبد 48 مرة.
إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام انتمى أبو وردة أثناء دراسته في بداية انتفاضة الأقصى، بعد استشهاد القائد يحيى عياش عام 1996م، وقام بالتخطيط مع الأسير حسن سلامة بتنظيم الاستشهاديين الثلاثة (مجدي أبو وردة، وإبراهيم السراحنة، ورائد الشرنوبي) للقيام بعمليات استشهادية، وبالفعل قام الثلاثة بثلاث عمليات بطولية هزت كيان الاحتلال، وأسفرت عن مقتل (45) صهيونياً، وإصابة أكثر من مئة آخرين بجراح.
بعد معركة طوفان الأقصى
يتعرض مخيم الفوار لاجتياحات كثيرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ويرتقي منه الشهداء ويعتقل الأسرى، وازدادت وتيرة الاقتحامات للمخيم بعد السابع من أكتوبر/ تشرين أول عام 2023 ففي يوم الجمعة الموافق 3 نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري استشهد الشابين محمد سعيد العزة، ووديع يحيى النجار بعد اقتحام قوات الاحتلال لمخيم للمخيم واندلاع مواجهات عنيفة مع الاحتلال.
وبين وقت وآخر تندلع اشتباكات بين المقاومين الفلسطينيين والاحتلال، علاوة على المظاهرات والاحتجاجات المتكررة ففي الثامن من ديسمبر/ كانون أول من عام 2023 أصيب شابان بالرصاص الحي عقب اقتحام قوات الاحتلال مخيم الفوار وإطلاقها الرصاص الحي وقنابل الغاز السام المسيل للدموع باتجاه المواطنين.
ويقتحم الاحتلال المخيم من حين لآخر من عدة محاور، وينتشر بكثافة بين أزقة وشوارع المخيم، مانعاً المواطنين من حرية التنقل. في هذا المخيم ولد الأبطال واستشهد الفدائيون ويقبع العديد من الأسرى داخل السجون وعيون أهل المخيم متجهة نحو المقاومة الفلسطينية التي ستسرد حقوقهم يوماً ما وإلى أن يأتي ذلك اليوم ستبقى بارودة المخيم ومقاوميه متأهبة في نضال متصاعد ينفجر في وجه الاحتلال في كل حين.