لا يتوقف نضال أبناء المخيمات من أجل استرداد وطنهم الذي سلب منهم قبل عقود عديدة، ويستمر تناقل الذكريات عن ذاك الوطن المحتل جيلاً بعد آخر، هي أرضهم التي لا يسقط حقهم فيها باتفاقيات تسوية حتى وإن وقعها فلسطيني ظنَّ للحظة أنه يملك التنازل عن شبر واحد من أرض فلسطين، وكما هي الأرض حكايات تروى فللأبطال في كل زمن رواية تصنع أنموذجاً لتجديد حالة النضال والمقاومة الفلسطينية.
لم يكن السابع من أكتوبر/ تشرين أول عام 2023 سوى تلك الهجمة المجددة للحالة الصحية للمواطن الفلسطيني الباحث عن وطنه الساكن في تلك الذكريات القديمة، لقد كان العبور الكبير لكتائب الشهيد عز الدين القسام في شهر أكتوبر من العام الجاري إلى مستوطنات غلاف غزة بمثابة التذكرة التي قدمت للعالم درساً عملياً أنَّ فلسطين أرض محتلة، وأنَّ هناك مستوطنة أقيمت على أنقاض قراها ومدنها المدمرة سميت (إسرائيل ) يجب أن تزول.
لقد كان ذاك اليوم عنصراً محفزاً لكافة أبناء المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية للنهضة من جديد وحمل البندقية الثائرة وإلقاء غصن الزيتون الذي رفعه ياسر عرفات في الأمم المتحدة كنايةً عن قيامه بارتكاب جريمة أوسلو الاتفاق الذي رفضه الشعب الفلسطيني وداسته آلات الاحتلال مراراً وتكراراً وأصبح عاراً يلاحق صانعيه! غير أن المنظمة ما زالت مصرةً على التمسك به حتى يومنا هذا، ومن المخيمات الفلسطينية الصامدة أمام غطرسة الاحتلال المقاومة لكل سياساته، مخيم عين بيت الماء شمال الضفة الغربية المحتلة.
تأسيس المخيم
يعد مخيم عين بيت الماء أول المخيمات الفلسطينية المقامة بعد احتلال الأرض عام 1948، وتأسس المخيم على أرض تابعة لبلدية نابلس، ويعود سبب التسمية إلى عين ماء صالحة للشرب تقع إلى الغرب من المخيم، وبني المخيم على مساحة 45 كم2 ، وبلغ عدد سكانه في عام الهجرة 1000 نسمة وتصاعد التعداد السكاني شيئاً فشيئاً حتى بلغ في العام 2007 ما يقارب 7000 نسمة.
سكن المخيم لاجئون من مدن عكا وحيفا ويافا واللد المحتلة ويعاني سكان المخيم من ظروف متعلقة بالبنية التحتية، والصرف الصحي، والخدمات التعليمية، وعلى الرغم من كل هذه التحديات التي يواجهها المخيم غير أنَّه خرج العديد من الشخصيات التي حفرت اسمها عميقاً في الهوية النضالية الفلسطينية، وقدم المخيم طائفة من الشهداء، وزمراً من الأسرى، والعديد من التضحيات الكبيرة.
شخصيات وطنية
من الشخصيات الوطنية القيادية التي برزت في تاريخ مخيم العين الشيخ جمال سليم وهو مقاوم وسياسي فلسطيني اغتاله الاحتلال عام 2001 وهو في الـ42 من عمره. بدأ سليم حياته السياسية عندما كان طالبا في ثمانينيات القرن الماضي، واعتقل ثماني مرات في سجون الاحتلال (بين 1975 و1995)، وثلاث سنوات في سجون السلطة الفلسطينية عام 1997، وأبعده الاحتلال إلى مرج الزهور جنوب لبنان عام 1992.
ومنة رموز المخيم أيضاً الشيخ أحمد الحاج علي الشخصية النضالية الكبيرة لفلسطين من مخيم عين بيت الماء ولد في العام 1939 وشهد احتلال الأرض في عام 1948 واستكمال احتلال الضفة الغربية عام 1967 وتنازل منظمة التحرير عن أرض فلسطين التاريخية بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، والانقسام الفلسطيني عام 2006 بعد أن رفضت منظمة التحرير نتائج الانتخابات الفلسطينية.
يمثل الشيخ علي الشعب الفلسطيني فهو نائب في المجلس التشريعي وهو مقاوم عنيد منذ ميلاد الثورة الفلسطينية، ومبعد إلى مرج الزهور اللبناني عام 1991، وعلى الرغم من كبر سنه ومعاناته من المرض إلا أنه مطارد لقوات الاحتلال الإسرائيلي على خلفية المقاومة الفلسطينية والعمل على تجديد روح النضال في صفوف الشعب الفلسطيني. وليس غريباً عن الحاج علي مناهضته للاحتلال فقد ورث ذلك عن والده الذي كان من الثوار إبان الاحتلال البريطاني لفلسطين.
مخيم القسام
ليس غريباً أن تكون المساجد الفلسطينية حصوناً لفكر المواطنين من العقائد المستوردة، وكذلك معسكرات لتدريب المقاومين لجيش الاحتلال، إضافةً لتخريج الشهداء والأسرى وكذلك المقاومة الفلسطينية لا سيما كتائب الشهيد عز الدين القسام.
ففي عام 2007 أقدمت قوات الاحتلال على اختطاف نهاد رشيد شقيرات 34 عاماً بعد اتهامه بقيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام في مخيم عين بيت الماء بنابلس، وتحصن شقيرات في منزله وشرع بإطلاق النار على القوة الخاصة حتى نفدت ذخيرته، ثم ألقي القبض عليه.
وشكل شقيرات بالإضافة إلى مقاومين آخرين من الفصائل الفلسطينية قوة تدافع عن المخيم وتشتبك مع الاحتلال، مما جعله مطلوباً للسلطة الفلسطينية المتعاونة أمنياً مع الاحتلال التي لاحقته طويلاً دون أن تتمكن من إلقاء القبض عليه، وشقيرات من عائلة فلسطينية مناضلة فهو شقيق الاستشهادي عناد شقيرات الذي نفذ عملية استشهادية عند أحد الحواجز العسكرية للجيش الصهيوني في منطقة جنين عام 2002.
ومن شهداء المخيم وقياداته العسكرية الشهيد أديب سليم الداموني (38 عاماً)، الذي لقي الله تعالى برصاص الاحتلال في مخيم العين غرب مدينة نابلس عام 2007 بعد اتهامه بقيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام والعمل على تنظيم العديد من أبناء المخيم في القسام لمقاومة الاحتلال والتخطيط لتنفيذ هجمات في قلب كيان الاحتلال.
بعد طوفان الأقصى
ما زالت معركة طوفان الأقصى التي اندلعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023 ملهمةً للشعب الفلسطيني أن يستعيد دوره الريادي في مقارعة الاحتلال، واثخان القتل فيه، وما تزال المخيمات الفلسطينية الرافد الأهم في صناعة المناضلين الذين ينقضون على الاحتلال ويواجهونه بكل بسالة واقتدار.
ويتعرض مخيم عين بيت الماء للعديد من الهجمات الإسرائيلية والاقتحامات اليومية التي ينتج عنها اعتقالات وشهداء غير أنَّ المخيم الذي أقيم منذ أكثر من سبعين عاماً يرفض التدجين أو الإذلال ويصنع مما امتلك سلاحاً يواجه فيه الاحتلال، وسيبقى مخيم العين بالقرب من مدينة نابلس مكملاً للطوفان حتى يقتلع الاحتلال ويعود السكان إلى وطنهم الأصلي المكان الذي تهوي إليه النفوس، وتتجه إليه الأنظار، وأملهم بالحرية بات قريب.