كتبتُ عن حالة تشقق قبل الانهيار الداخلية تسكن دولة الاحتلال في ظل حكومة نتنياهو ابن غفير القادمة، والآن أحاول جمع بعض مؤيدات هذا الادعاء الذي يقوم على القراءة الاستشرافية وعلى التوقع بأدلة عمل تجري تحت ظلّ القانون ولكن من الناحية الشكلية فقط.
أول المؤيدات المستجدة هو (غلبة الذات على الفكرة) بشكل متزايد ولم يسبق له مثيل. وأعني بذلك أن نتنياهو يريد العودة لرئاسة الحكومة بكل ثمن، ولو كان على حساب فكرة الدولة ومبادئ الحكم المتوارثة منذ النشأة. إشباع رغبته الذاتية فوق الفكرة.
ما من شك في أن مشاركة الصهيونية الدينية في حكومة نتنياهو يتعارض بشكل كبير مع عادة الليكود في فترات حكمه منذ بيغن مرورا بشامير وشارون، فالصهيونية الدينية الشريك الجديد تعمل على توجيه أفعال الحكومة بتفسيرات توراتية، وأحادية لم تكن عند شاس مثلا، وهذا يخلق تنازعا داخل المجتمع الصهيوني من ناحية، وتنازعًا خارجيًّا مع أميركا، وخارجيا مع السلطة والأردن من ناحية أخرى.
هذا التنازع هو وليد شخصية وفكر نتنياهو الذي تعلي ذاته ورئاسته للحكومة على الفكرة، والمبادئ العامة الحاكمة للحكم، نتنياهو يضحي بالفكرة الحاكمة، والمرشدة للحكم، لصالح تحقيق ذاته رئيسًا.
هذا التنازع عبّر عنه بشكل علني قادة كبار بحجم (لبيد، وغانتس، وأيزنكوت)، فقد دعا لبيد قادة الحكم المحلي في البلديات الكبرى إلى العصيان، وعدم التعامل مع الحكومة تربويًّا، بعد إسناد الإشراف على المناهج إلى (آفي ماعوز)، الذي يفسر التوراة تفسيرا صارما، ويريد تربية النشء عليه. وفي اتجاه آخر دعا آيزنكوت وهو رئيس أركان سابق إلى تظاهرة مليونية ضد حكومة نتنياهو لأنها تلعب في قوانين الدولة، والقضاء، وتقدم مليشيات عسكرية لوزراء مدنيين مقابل الشراكة في حكومة نتنياهو؟!.
هذه الاتهامات خطيرة، وتلكم دعوات للمواجهة غير مسبوقة، ولا تقف عند المعارضة الحزبية، بل هي تطلب من الشعب المشاركة العامة في الاحتجاجات، وتطلب من الحكم المحلي تولي مسئولية التربية والتعليم لحماية المناهج من آفي ماعوز؟!
ولعل من أخطر هذه الاتهامات أيضا، وكلها خطيرة وغير مسبوقة في مجتمع ثمة حديث صحيح يخبرنا عن انقسامه إلى ثلاث وسبعين فرقة، هو لعب نتنياهو بالقوانين، للتهرب الذاتي من القضاء الذي يدرس ملفه واستغلاله السلطة بشكل غير قانوني، إضافة لاتهامه حزبيًّا بمحاولة السيطرة على محكمة العدل العليا لهذا الغرض أيضا.
حين تستعلي الذات على الفكرة، وحين يدعو قادة أحزاب للعصيان، وحين تختلف الأحزاب حول السلطة القضائية، يكون المجتمع عرضة لمزيد من التشقق الداخلي غير المسبوق، والذي يمهد لانهيار السلطة من داخلها. هذا التشقق بحسب توقعاتي سيكبر أكثر في ظل حكومة نتنياهو الحالية، وعندها لن تصمد دولتهم عندما تذهب هي لحرب خارجية واسعة النطاق.