مع دخول الحرب على غزة يومها المائة، تتناثر الآمال صاعدةً من تحت الركام المتجمع على الأرض، وعلى ظهر مقاوم يحمل قذيفة الياسين ليرمي بها دبابة الاحتلال، ليس غريباً أن يعيش الشعب الفلسطيني حالة من التداخل بين المشاعر المختلفة، فالفرح يحل محل الألم، والأمل يجتاح مساحات اليأس المقفرة، هي حياة أشبه ما تكون بالحديقة الغنَّاء التي نبتت في وسط صحراء قاحلة، لا ماء فيها ولا عشب غير أنَّ إرادة السماء أرادت لها البقاء فبقيت.
لم يكن الشعب الفلسطيني بمعزل عن السنن المنطقية لمجريات التحرير، فالشعوب التي تحررت عرفت كثيراً من التضحيات، ولاقت عديداً من الآهات غير أنَّها لم تكل عن مواصلة نضالها فحصدت الحرية بيدها المضرجة بالدماء وشوارعها المليئة بالأشلاء، لم تكن الشعوب الأخرى لتحتفل باستقلالها لولا الأمل الذي نبت في داخلها فأضحى إرادةً عصيةً على الإنكسار ورغبةً جامحةً بالتحرر، ومستقبل مزهر يرحل عنه الاحتلال فيغدو حراً.
ضفةٌ تنبت بالأمل
من وسط تلك الآهات التي تحيط بمخيمات ومدن وقرى الضفة الغربية المحتة خرج صوت أم ثكلى فقدت أربعة أبناء أشقاء في يوم واحد على أيدي الاحتلال يوم الأحد الموافق 7 يناير/ كانون ثاني عام 2024 منادية من بين ضجيج الاجتماع حول جثامين الشهداء في مدينة جنين: (يما ما ضل حولي أحد) ملتزمةً الوداع الأخير بالقرب من الأجساد التي فارقتها الروح راحلةً نحو مصير الآخرة.
عديد من الأمهات التي ينقلب الحزن على فقد الأبناء زغاريد فرح وهتاف الوعيد الذي لا يهزم، هناك في الضفة الغربية المحتلة سيدةٌ فقدت زوجها، وأخرى غيَّب الاحتلال عنها أبيها، عائلات تقف في المجهول الذي صنعه الاحتلال لشعب يقاوم من أجل إزاحة حجب الوهم الذي نشأ في الأرض وسمي باتفاق أوسلو وتبديد سحائب الدعاية التي تقول بأنَّ للاحتلال جيش لا يقهر.
كل تلك المراسم الحزينة، لا يمكنها أن تحجب قصة فدائي حمل بندقية واتجه إلى الشارع الإلتفافي المكان الذي تسير عليه جماعات المستوطنين فيمطرها بوابل رصاصه يقتل من يشاء ويصيب من يشاء دون أن تسقط من يديه البندقية، مشاهد فخر تظهر على شاشاة التلفاز حين اشتعلت جرافة الهدم الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة بعد أن زرع لها المقاومون الموت الزؤام عبر العبوات الناسفة.
يفتخر شعب مقاوم حين يقف متظاهرون في مدن الضفة الغربية يهتفون للمقاومة، يقذفون المحتل بالحجارة التي امتلكوها في أرضهم المحتلة، هناك أمل حين يلبي الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية نداء المقاومة الفلسطينية فيسيرون نحو القدس فرادى وجماعات، وها هي الجمعة الرابعة عشر على الحرب على غزة تحل على مدينة القدس ومن للقدس غير أهلها.
اقتحام نورشمس ومقاومة ضارية
ليل يوم الجمعة الموافق 12 يناير / كانون الثاني الجاري اقتحمت قوات الاحتلال مخيم نورشمس القريب من مدينة طولكرم المحتلة وقامت جرافات الاحتلال بأعمال التدمير وتجريف البنية التحتية، فيما نجحت المقاومة من استهداف قوات الاحتلال وآلياته بعدد من العبوات الناسفة شديدة الانفجار وأصابوها إصابة مباشرة.
حولت الاشتباكات العنيفة بين المقاومين الفلسطينيين والقوات المقتحمة المخيم إلى ساحة معركة ضارية، واحتمت قوات الاحتلال من رصاص المقاومة خلف سواتر ترابية نصبتها في المخيم لتوقعها حدوث مقاومة عنيفة أثناء الاقتحام وأغلقت جرافات الاحتلال شارع حارتي المحجر والسكة في محيط المخيم بالسواتر الترابية.
وقامت قوات الاحتلال بتفتيش منازل المواطنين في المخيم باحثةً عن مقاومين أو أدلة تدين فيها السكان بحمايتهم وأخضعت العديد من نساء المخيم علاوة على فتيانه وشبابه وشيوخه إلى استجواب ميداني، محولةً المباني المرتفعة إلى ثكنات عسكرية ومواقع لقناصتها.
وضمن سياسة الأرض المحروقة عمد الاحتلال إلى قطع الكهرباء ووسائل الاتصال بالمخيم، غير أن إجراءت الاحتلال لم تمنع كتيبة طولكرم من تنفيذ عملية تفجير عبوة المحمود 7 في جرافة من نوع D9 محققة إصابات حارقة لقائد الجرافة والجنود المرافقين له. كما أعلنت عن تمكن وحدة الهندسة من تفجير عبوة (الغيث7) بتجمع لقوات الاحتلال على مدخل حي المنشية وحققت إصابات مباشرة فيها.
مقاومة باسلة في الضفة الغربية المحتلة أرسى بنيانها شهيداً مثل الشيخ صالح العاروري، وكتائب لم يقض عليها تحالف دولي مثل كتائب الشهيد عز الدين القسام، ستشهد انبعاث عزم من جديد، وقوة متدفقة، ربما هناك طائفةٌ ما زالت على الحق صامدين في الضفة الغربية المحتلة، هم استشهاديون لبسوا أحزمتهم الناسفة ليعيدوا مجد المقاومة من جديد، وليقعوا بالاحتلال الذل الذي كتب على ذاكرته في السابع من أكتوبر عام 2023 في العبور الكبير للمقاومة واجتياح غلاف غزة، وستشهد الضفة الغربية فصلاً مجدداً للعهد الذي صنعه يحيى عياش، وواصل دربه محمود أبو هنود، والأيام حبلى بميلاد مقاومين جدد حتى التحرير واسترداد كامل التراب المحتل.