في وقتٍ لافت وفي ذروة تصاعد وتيرة الأحداث والمستجدات السياسية حول العالم، من أبرزها الحرب في أوكرانيا وتراجع هيمنة القطب السياسي الواحد خاصة الدور الأمريكي وصعود أقطاب سياسية متعددة كروسيا والصين. وفي سياق تلك الأحداث استضافت موسكو وفد من قيادة حركة حماس يترأسه رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، بالإضافة إلى كلًّا من صالح العاروري وموسى أبو مرزوق وماهر صلاح، هذه الاستضافة جاءت بدعوة رسمية للزيارة وقد وجّهتها العاصمة الروسية موسكو لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
ومن الجدير ذكره بأنّ الزيارة التي بدأها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية السبت الماضي وبرفقة الوفد من قادة الحركة تأتي في ظل توتر كبير طرأ على العلاقة بين روسيا والاحتلال “الإسرائيلي” شهدت فيه العلاقات بينهما أسوأ مراحلها منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وذلك بسبب انتقادات (تل أبيب) للحرب في أوكرانيا ودعمها العسكري لكييف بالأسلحة والمقاتلين هذا بحسب وسائل إعلامية روسية، ولعلّ ما يُدلّل على تردّي العلاقات قيام موسكو بإغلاق مقر الوكالة اليهودية فيها.
وحول الزيارة وأبعادها قال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إن زيارته لروسيا سياسية بامتياز، إضافة إلى أنها تحمل أبعاد مهمة قد استوجبت مثل هذه الزيارة من قيادة الحركة لروسيا، والتي تحتل المكانة الدولية ذات العلاقة التاريخية بالقضية الفلسطينية والمنطقة، وأضاف خلال لقائه عبر قناة روسيا اليوم أن هناك ثلاثة أبعاد للزيارة “الأول متعلق بالقضية الفلسطينية وطبيعة الصراع المحتدم مع الاحتلال الإسرائيلي، والثاني متعلق بالمنطقة العربية والإسلامية ومحاولات تشكيل ناتو شرق أوسطي، والثالث ما يتعلق بالمسرح الدولي وما يجري فيه من أحداث كبرى”.
كما أعرب إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عن ارتياحه للقاء الذي جرى مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونائبه، مُعتبرًا اللقاء فرصة للتشاور و الحوار العميق مع الدبلوماسية الروسية، وهذه النقطة بالتحديد من شأنها تأكيد العلاقة بين الشعب الفلسطيني وروسيا منذ الاتحاد السوفياتي، وعن طبيعة العلاقة مع روسيا وصفها بأنّها راسخة قوية ومُستقرة، لاسيّما وأنّ روسيا تقف إلى جانب الحقِّ الفلسطيني.
وتضمنت زيارة قيادة حماس إلى روسيا الحديث في عدة ملفات ذات الاهتمام المشترك، من أبرزها المصالحة الفلسطينية والوضع الفلسطيني الداخلي، وطبيعة الصراع مع الاحتلال، والأحداث في المنطقة، والمتغيرات التي تتسارع حدّتها على المستوى الدولي، وهنا تجدر الإشارة إلى مكانة وتأثير حماس في صدارة المشهد الفلسطيني والعربي والدولي خاصة وأنها تقود المشروع الوطني الفلسطيني، وهذا ما مكّنها من تعزيز علاقتها الثنائية مع روسيا، والتي تعتبرها قوة دولية مؤثرة في النظام الدولي وتسعى من خلالها إلى حشد دعم دولي للقضية الفلسطينية بالإضافة إلى بحثها ملفات ذات علاقة بقطاع غزة كرفع الحصار “الإسرائيلي” وبحث موضوع التنقيب عن غاز شرقي المتوسط عند شواطئ غزة، ولعلّ هذا الملف أبرز الملفات التي تتربّع على طاولة حماس.
ومن المهم ذكر ما قاله رئيس الحركة بخصوص إرسال الرسالة لبوتين، حيث قال “سلّمنا السيد لافروف رسالة خاصة مني شخصيًا لفخامة الرئيس السيد فلاديمير بوتين وهي الرسالة الأولى من نوعها التي تصله منا مباشرة، وتحدَّثنا في هذه الرسالة بقضايا خاصة سنتابعها” وكما أنّ حماس تتطلع وتسعى جاهدة لعلاقة أوسع مع مُحيطها الإقليمي في ظل تسارع وتيرة التطبيع العربي الصهيوني، فإنّ روسيا أيضًا تتطلع لتوسعة دورها وزيادة رقعة تأثيرها في الصراع الفلسطيني مع الاحتلال “الإسرائيلي” باعتباره قضية محورية في منطقة الشرق الأوسط ولا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال، والذي نجحت حماس من خلال إدارته الوصول إلى العمق الدولي.