(إسرائيل) لا تدرك أن كلفة قتل الفلسطينيين عالية، ستتحملها آجلاً أم عاجلاً، على الرغم من أنها تقتل منذ سبعين عاماً، وقتلت أعداداً كبيرة جداً من المدنيين بوسائل مختلفة، من ارتكاب المجازر، والقصف إلى الاغتيال وغير ذلك.
وكان آخرها القتل العشوائي في مخيم جنين، إلا أنها لم ترتح أمنياً سوى مدة قصيرة، ومع كل جريمة قتل إسرائيلية يتم الرد فلسطينياً، وهكذا دواليك.
عمليتا القدس في كل من النبي يعقوب وسلوان، وقتل 7 مستوطنين وجرح عدد آخر بعد يوم واحد على المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين شمال الضفة الغربية واستشهد فيها 9 فلسطينيين، جسدتا إرادة الشعب الفلسطيني في مواصلة المقاومة ضد الاحتلال، على الرغم من كل الظروف الضاغطة التي يمارسها الاحتلال يومياً، وإجراءاته القمعية ضد الفلسطينيين، لتيئيسهم وإخضاعهم للأمر الواقع، مع إجراءات أمنية إسرائيلية بلغت الذروة، والانتشار الواسع لأكثر من ثلاثة أرباع جيش الاحتلال في الضفة الغربية لحماية المستوطنين، إلا أن كل ذلك لم ينجح في أن يحول دون مواصلة العمليات النوعية التي توالت في الضفة الغربية، التي تزداد يوماً بعد يوم تميزاً في أسلوبها وتكتيكها ومكان ودقة تنفيذها، هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على عجز (إسرائيل) على المستوى الأمني والعسكري (التقني والاستخباراتي) عن توقع حصول معلومات عن العمليات الفدائية، ومنفذيها، الذين لا ينتظرون إذناً أو قراراً لتنفيذ عملياتهم، فهم يتخذون القرار بأنفسهم، ويستطلعون أهدافهم، ويحددون توقيت هجماتهم، الأمر الذي يجعل الاحتلال في حالة من التخبط الأمني، في كل مرة تحصل فيها عملية فدائية ناجحة في تحقيق أهدافها، وتؤدي إلى هز الأمن الصهيوني، وتوجيه ضربة لمنظومة إجراءاته الاحترازية، وتكشف أنه على الرغم من ما يمتلكه الاحتلال من قدرات أمنية وعسكرية وأجهزة متطورة فإنه غير قادر على ضمان وحماية أمن جنوده ومستوطنيه، التي تستر على فشله، وذهب إلى القول إن إقدامه على إعدام المنفذ منع وقوع عملية كبرى، في محاولة لاسترضاء الشارع اليميني.
على أي حال فإن العملية أثبتت سقوط كل النظريات الإسرائيلية التي تعول عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلية منذ زمن بعيد، وهي:
1- هشاشة الأمن الصهيوني، والخروقات الكثيرة فيه، خصوصاً مع توفر السلاح في القدس والضفة الغربية وغزة وفلسطين المحتلة عام ثمانية وأربعين، ما يعني أن هذه العملية قابلة للتكرار كل يوم، بوسائل مختلفة.
2- من الناحية الجغرافية فإن ساحات الرد مفتوحة، على الرغم من أن (إسرائيل) قسمت فلسطين إلى أربعة أقسام، وحشرت غزة في معاناتها، وتحاول (أسرلة) القدس وخنق الضفة الغربية، إلا أننا نلاحظ أن الرد يأتي كل مرة من موقع مختلف، ما يعني أن التقسيمات الإسرائيلية تسقط دائماً.
3- القيام بعمليات انتقام خاصة من اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي سيجد في عمليتي القدس فرصة للانتقام من الفلسطينيين، مع القرارات الأخيرة التي اعتمدها “الكابنيت” الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، على رأسها زيادة أعداد المستوطنين المسلحين، ومن جانب أخر التنكيل بالأسرى الفلسطينيين في المعتقلات، دلالة على أن الأمور آخذة في التصعيد، لكن كلفة أي إجراءات عنصرية سيكون مردودها على الاحتلال، وسوف يتكرر سيناريو رد الفعل، وفي هذه الحالة ستستمر التظاهرات ضد نتنياهو وفريقه اليميني المتطرف، بسبب تفجيرهم للأوضاع ولإراقة الدماء، وقد يضاف هذا إلى تهم الجرائم والفساد المنسوبة له.
4- فشل نظرية غانتس “كاسر الأمواج”، لكبح جماح العمليات الفدائية، والتصدي للتنظيمات الفلسطينية، سيؤدي إلى تهدئة ردود الفعل الفلسطينية على جرائم (إسرائيل)، مع التعاون الحميم مع السلطة، فما ثبت لها أنها اليوم أمام أجيال جديدة، لم تقبل وصفات التسكين الإسرائيلية، سواء كانت منتمية لتنظيمات، أو تعمل فرديًا.
5- المساس بالأسرى والمسرى، بناء على تهديدات بن غفير، قد يؤدى هذا إلى الخروج عن السيطرة، بإندلاع إنتفاضة ثالثة، لأن المؤشرات تقول إن الأوضاع ككل في القدس والضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، وغزة المحاصرة لأكثر من 16 عاماً، مؤهلة للانفجار الكبير جداً، وقد يتطور إلى انفجار شعبي في المنطقة برمتها.
ختاماً: قد نشهد هذه المرة مثل كل مرة، عمليات انتقام إسرائيلية واسعة، من قصف الضفة الغربية أو غزة، أو اجتياح مخيم هنا أو هناك، أو ممارسة الاعتقالات، أو الاعتداء على الأسرى أو اقتحام المسجد الأقصى المبارك، وغير ذلك من سيناريوهات متوقعة من الطرف الإسرائيلي، لكن هذا سيكون ثمنه مكلفاً للغاية، ويؤدى الأمر إلى تغييرات قاسية على نتنياهو، إما سقوط حكومته المتطرفة، أو اندلاع انتفاضة شعبية عارمة، ستكون أشد وطأة من سابقاتها، خصوصاً وأن الضفة فاجأته بمقاومة مسلحة شرسة.