لا يستطيع أي فلسطيني متابعة تفاصيل الاعتداءات الصهيونية الاستيطانية على أراضي الضفة الغربية؛ لكثرتها، وتمددها، وتوزعها على أكثر من مكان، وأكثر من بؤرة، ففي التقرير الذي نشره المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان إحصاء دقيق ومرعب لآلاف الوحدات السكنية الاستيطانية، التي تغطي مساحة كل مدن وقرى وبلدات الضفة الغربية والقدس، حيث لا يوجد مكان إلا فيه اعتداء على الأرض، ومحاولة للسيطرة على مفارق الطرق والممرات والمرتفعات. هذا التقرير يؤكد تراجع المحكمة العليا الإسرائيلية عن قرارات سبق أن أصدرتها بإخلاء بقع استيطانية، ويؤكد مواصلة التدليس في الاستحواذ على الأرض الفلسطينية من خلال الأمر العسكري، الذي أصدره يهودا فوكس، قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يسمح للمحاكم الشرعية الإسرائيلية بإصدار شهادة “حصر إرث” لسكان الضفة الغربية، بدلاً من شهادة حصر الإرث التي تصدرها المحاكم الشرعية الفلسطينية. إن هذا الأمر العسكري لا يسهل على السماسرة نقل ملكية الأرض من الفلسطينيين إلى الصهاينة، وإنما يفضح هذا الأمر العسكري السياسة الإسرائيلية العليا، التي تهدف إلى فرض سيطرة ميدانية إسرائيلية على كل أرض الضفة الغربية.
فهل توجد للشعب الفلسطيني قيادة تتابع المصائب التي حطت على رأسه، وتحشد الجماهير والقوى والفعاليات لتتصدى للعدوان؟
الجواب: لا.
فلو كانت للشعب الفلسطيني قيادة لما اكتفت بإصدار بيانات الشجب والاستنكار والتنديد، ولو كانت للشعب الفلسطيني قيادة لما انكفأت تبكي المصير، وهي ترى الأرض تضيع من بين أصابع الناس، ولو كانت للشعب الفلسطيني قيادة لما سمحت بأن يفرض القانون الإسرائيلي نفسه على كل شبر من أرض فلسطين. لو كانت للشعب الفلسطيني قيادة لما رضيت بأن تذبح كل مقومات السيادة، باستثناء البساط الأحمر الذي يمشي عليه الرئيس في سفره إلى الخارج، واستقبال الوفود الأجنبية.
لن أتساءل: أين هي قيادة الشعب الفلسطيني؟ فلو كانت للشعب الفلسطيني قيادة لما وقفت موقف المتفرج من الاعتداءات اليومية على المواطن الآمن الأعزل، سواء كان في بيته أو كان في طريقه إلى العمل، فقد أفادت التقارير بأن جيش العدو الإسرائيلي قتل هذا الأسبوع أربعة مواطنين من الضفة الغربية، واعتقل العشرات من شبابها، وجرح العشرات، وهدم أكثر من بيت شيده السكان بلحمهم ودمهم.
هذا الوضع المهين للإنسان والأرض لا يمكن السكوت عليه، أن يُقتل الفلسطيني بدم بارد، وأن يُزج به في غياهب السجون دون اعتراض، وأن يقتحم جيش العدو المدن الفلسطينية، ويخرج منها سالماً، وأن تدمَّر البيوت دون شفاعة، وأن تحاصَر القرى، وأن تتبدل ملكية الأرض، وأن يسود منطق الغاب الإسرائيلي، فذلك يدعو إلى الانفجار، وإلى الغضب، وإلى التمرد على القيادة الفلسطينية، قبل الثورة على العدو الإسرائيلي، فالعدو لا يجرؤ على ممارسة العدوان والإرهاب ضد الأرض والإنسان لولا ثقة الجيش بأن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تقوم بواجبها في ضبط الأوضاع الداخلية، ولولا ثقة المخابرات الإسرائيلية بأن الرئاسة الفلسطينية تمسك بتلابيب الحالة الفلسطينية بقوة وشدة، ولولا ثقة المستوى القيادي الإسرائيلي بأن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية هي العجل الذهبي المقدس للصهيونية.
الأرض تضيع، والإنسان يذبح، والمستقبل أكثر غموضاً ورعباً للشعب الفلسطيني، ما دامت هذه الحال مستمرة، ولم يتحرك الشعب، ويغضب، ويتفجر ثورةً في وجه قيادة هزيلة باعت كل شيء، واشترت بطاقات VIP، لما تزل المخابرات الإسرائيلية تمنحها لمن هم أكثر استعداداً لتقديم الخدمات، وتمرير المؤامرات.
ملحوظة: ماذا يفعل محمود عباس وجماعته في المقاطعة والجيش الإسرائيلي يطلق النار على فلسطينيي الضفة الغربية، ويصطادهم على الطرقات كالعصافير، ويلاحقهم في غرف نومهم، حتى صار ذبح الفلسطيني شأناً إسرائيلياً خالصاً، ولا يحق لأحد أن يسأل القاتل: من قتلت؟ ولم قتلت؟