أعلنت القوى الوطنية والإسلامية يوم غدٍ الإثنين 19-9-2022 يوم إضراب شامل لطلاب مدارس القدس المحتلة بمرجعياتها الأربع: الأوقاف ووكالة الغوث والخاصة والتابعة لبلدية الاحتلال داخل حدود الجدار وخارجها، رفضاً لمحاولة الاحتلال فرض المنهاج المحرف، وبين يدي هذا الإضراب لا بد من وقفات أساسية:
المنهاج المحرف الذي يجري التحرك لرفضه هو إعادة طبع لمنهاج السلطة الفلسطينية مع تبييض كل كلمة أو صورة أو صفحة أو درس لا يعجب رقابة الاحتلال، وإزالة كل ما يرمز إلى فلسطين أو إلى السلطة الفلسطينية.
يعكس هذا المنهاج رؤية الصهيونية تجاه أهل القدس وتجاه الفلسطينيين عموماً: إذ تراهم عبئاً بشرياً فائضاً عن الحاجة، وترى وجودهم تحت سلطتها خطيئة تاريخية، لذا هي لا تحاول دعوتهم للانضمام إلى الصهيونية عبر مناهج “استيعابية” ولو من باب الوهم، بل هي معنية ببرمجتهم المبكرة على تقبل الرقابة من سلطة عليا وُجدت لتتحكم بمصائرهم كما تتوهم، وأن عليهم أن يكونوا مادة بشرية مفرغة من المحتوى، لا فلسطينية ولا صهيونية، تصلح فقط لأن تكون يداً عاملة رخيصة وسوقاً استهلاكية.
هذا المنهاج مفروض في المدارس التابعة لبلدية الاحتلال في القدس والتي يتعلم فيها ما يزيد عن 50% من طلاب القدس.
تحاول سلطات الاحتلال فرض هذا المنهاج اليوم على المدارس الأهلية، مستفيدة من وقوع إدارات تلك المدارس في فخ “تلقي الدعم” من بلدية الاحتلال باعتباره “حصتنا من الضرائب”، خصوصاً وأن هذا “الدعم” الموهوم بدأ غير مشروط وها هو اليوم ينتهي مشروطاً جداً بالخبث الصهيوني المعهود.
الإضراب اليوم هو واجب الساعة وخيار الضرورة، فمدارس القدس الأهلية تضم 25% من طلاب المدينة، ونجاح الاحتلال في فرض مناهجه المحرفة على ثلاثة أرباع طلاب القدس يهدد بمحو هوية جيلٍ بأكمله.
لكن لا بد من أن نعي جيداً أن حاجتنا لهذا الإضراب هي ثمرة خيارٍ بائس لإدارات تلك المدارس، لم يكن أهالي الطلاب ولا المجتمع المقدسي شركاء فيه، لكنهم هم اليوم من يواجهون مآلاته ويحاولون وقفها في اللحظات الأخيرة، وإلى جانب الإضراب ومنع الاحتلال من تحقيق هدفه لا بد من تصويب بوصلة تلك المدارس وأن تبدأ طريق تخليها عن إدمانها على الدعم المشروط جداً والمُذل من بلدية الاحتلال.
وواجب وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بالمقابل، والمؤسسات العربية والإسلامية في الخارج أن تقف إلى جانب تلك المدارس في مسيرة تدريجية لتصحيح وضعها بإدارة متقشفة تقتصر على ما ينفع العملية التعليمية ويتخلى عن الترف، وبمدها بتلك الحاجات كي تخرج أعناق طلابنا من قبضة بلدية الاحتلال.
والواجب الثاني هو أن تعود الإدارة الجماعية المشتركة للتعليم في القدس عبر هيئة تعليمية واضحة، تضم ممثلين عن مدارس الأوقاف ووكالة الغوث وإدارة المدارس الأهلية والمدراء والأساتذة الوطنيون في مدارس البلدية، بما يحافظ على التعليم في القدس تحت مظلة وطنية -حتى وإن حاول الاحتلال إحباط هذا المسعى- ودرء خطر هذه المناهج عن المدارس الأهلية هو الخطوة الأولى ولا بد بعدها من السعي لاستعادة نصف الجيل المتروك لهذه المناهج في المدارس التابعة لبلدية الاحتلال.
لقد كانت تجربة لجنة المعلمين السرية هي ما أنجحت تحدي المجتمع المقدسي لمحاولات الاحتلال المبكرة فرض مناهجه في 1967 و1968، حينما كانت حماية الهوية تسمو على المال والمنفعة والترف، وهذا النهج وحده هو ما يستعيد قطاع التعليم الأهلي في القدس من فم التنين وقد أوشك على ابتلاعه.
ببساطة الإضراب خطوة أولى ضرورية لرحلةِ تصحيح للمسار، وما لم نتعامل معه كذلك فنحن نؤجل الخسارة فقط ولا نتجنبها.