يوافق اليوم، الذكرى الـ11 لاستشهاد القائد القسامي زهير لبادة “أبو رشيد” ابن مدينة نابلس، بعد أقل من أسبوع على الإفراج عنه من سجون الاحتلال الصهيوني، حيث كان يتعرض لإهمال طبي فوق المتصور، لا سيما أنه كان يعاني من فشل كلوي حاد.
ستة أيام عاشها القسامي المحرر في غرفة العناية المكثفة في المستشفى الوطني بنابلس، بعد الإفراج عنه، كان خلالها فاقدا للوعي والذاكرة، لا يدرك ما يجري حوله، ولم يكن بيد أقربائه وإخوانه ومحبيه سوى التوجه إلى الله تعالى أن يلطف به، فاختاره الله إلى جواره شهيدا.
القسامي لبادة، أفرج عنه الاحتلال بعد أن أمضى قرابة ستة شهور، قبل الإفراج عنه بسبب تدهور وضعه الصحي في مستشفى سجن الرملة، معانيا من أمراض الكلى والكبد التي تتطلب عناية صحية واهتماماً خاصاً، وهو ما تفتقر اليه سجون الاحتلال ومشافيها مما أدى إلى تدهور وضعه الصحي.
الميلاد والنشأة
ولد لبادة، في منطقة رأس العين في مدينة نابلس، ونشأ وترعرع بين جنبات أسرته المجاهدة في بيت متواضع، فتربى على موائد القرآن الكريم وحلقات الذكر، وتميز بهدوئه الشديد، وحبه لخدمة جيرانه، ورزق بعدد من الأولاد أكبرهم رشيد.
أخذ شهيدنا دوره في المجتمع فكان من كبار رجال الإصلاح، يلجأ إليه الجميع للاستشارة على مستوى شباب مدينة نابلس، فكان بمثابة الأب الحنون لهم.
برز نشاطه في تربية الكثير من شباب نابلس، فنشط في مجال القرآن الكريم وفي تحفيظه، فكان له الأثر الكبير والمكانة الخاصة في نفوس الشباب والأشبال لاهتمامه بهم.
التحاقه بجماعة الإخوان
التحق شهيدنا بجماعة الإخوان المسلمين أواسط السبعينات، فكان شاباً نشيطاً، ينظر له أنه شعلة، لامتلاكه الانتماء الشديد لجماعته، ومع نهاية فترة الثمانيات بدأ بالظهور ليكون قادراً على قيادة مرحلة جديدة وهي مرحلة الجهاد المسلح ضد احتلال الأرض التي أعلنها الشيخ الياسين مع انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية حماس.
فكان الشيخ زهير لبادة مع إخوانه القادة، أبرزهم الشيخ صلاح دروزة وجمال سليم وجمال منصور، الدور الكبير في نشر دعوة الجهاد والاستشهاد في سائر محافظات الضفة وفي محافظة نابلس بشكل خاص، فصنعوا البدايات الأولى للحركة، وكان يتواجد في العمل الجماهيري والدعوي والعمل الاجتماعي والسياسي والعسكري.
العمل العسكري
قبل الانطلاقة الرسمية لكتائب الشهيد عز الدين القسام، كان للشيخ لبادة دور في محاولات عديدة لإعداد الرجال من خلال تدريبهم على السلاح وبعض الأمور الفنية والعسكرية في جبال بين نابلس وغور الأردن.
فيما اعتبر من النواة الأولى الذين عملوا عسكرياً مع الشيخ صلاح دروزة (أبو النور) في بداية التسعينات، وكان له دورة ميداني رائع جداً، فكان له تأثير مباشر على معنويات شباب حماس.
ولأنه كان يؤمن بفكرة أن أرض فلسطين لا تحرر إلا بالبندقية، فقد أيقن الشيخ لبادة بضرورة الإسراع في إعداد المجاهدين عسكرياً، وجاهد بماله في سبيل البدء بتشكيل خلايا من المجاهدين فهو قدم الكثير من أمواله في سبيل تحقيق هذه الأمر، لا سيما ان الحركة في بداياتها كانت تعاني من صعوبة الأوضاع المالية.
مواصلة بعد الإبعاد
اعتقل الشهيد لبادة لأكثر من مرة بين فترة الانتفاضة الاولى، وفي 1992 تم إبعاده إلى مرج الزهور، وأثناء مكوثه في الابعاد أصيب بالفشل الكلوي وبسبب وضعه الصحي تم إعادته إلى فلسطين بعد 10 شهور من الإبعاد.
ورغم المرض، عاد الشيخ إلى نشاطه الدعوي والعسكري، وربطته علاقة مميزة بعدد من مجموعات القسام بالضفة، وتطوع في تقديم يد العون للشهيد القسامي علي العاصي وبشار العمودي وتوفير احتياجاتهم، كما كان مسئولا عن تأمين تحركات بعض المجموعات القسامية، وتأمين احتياجاتها من عتاد ورصاص وساعدهم أيضا في تنفيذ بعض المهمات الجهادية مثل عمليات إطلاق النار على السيارات والمواقع الإسرائيلية.
مع منفذ أول عملية استشهادية
ارتبط الاستشهادي القسامي ساهر تمام منفذ أول عملية استشهادية قسامية، بشكل مباشر مع الشيخ زهير لبادة، خاصة بعد أن عندما قام بدهس الجنود أول مرة في سيارته الشخصية، فقام الشيخ لبادة بإلحاقه بشكل مباشر بخلايا كتائب القسام التي كانت يقودها الأسير المحرر زاهر جبارين، لينفذ بعدها عمليته الاستشهادية المشهورة بغور الأردن بسيارته المفخخة.
علاقته بالمهندس عياش
وبسبب نشاطه المتميز، كان لشهيدنا شرف العلاقة المباشرة بالشهيد يحيى عياش، فبدأ الأمر بإيوائه المهندس، والمساعدة والإمداد، فكان يؤمن كل ما يحتاجه الشهيد المهندس، فأمِّن بعض المواد التي كان يحتاجها من أجل التصنيع، إضافة الى قيامه بنقل بالمهمات الاتصالية بين المهندس وبعض المجموعات القسامية بالضفة.
أعماله الجهادية
وقد برزت أعمال الشيخ لبادة من خلال مرحلتين، الأولى مع بداية التأسيس، فكان له دور كبير ومميز وفعال، خاصة مع المجموعات القسامية الأولى التي كان يترأسها المحرر زاهر جبارين وعدنان مرعي رحمة الله عليه وعلى عاصي رحمه الله وبشار العمودي في بداية التسعينات، كما عمل مع الشهيد المهندس يحيى عياش، حتى أن انتقل إلى قطاع غزة، فكانت آخر محطات المهندس بالضفة من منزل الشيخ زهير لبادة.
أما المرحلة الثانية فكانت بعد الحسم العسكري في غزة عام 2007، عندما أخذ على عائقه حماية سلاح المقاومة، وتفعيل العمل الجهادي القسامي في الضفة الغربية ونظرا للمرض المزمن المصاب به فإن عمل الشيخ زهير في العمل العسكري تركز في الجانب الإداري.
وقد وصل على الشيخ زهير 113 اعترافاً حسب مزاعم الاحتلال، منها امداد المجاهدين بأكثر من 70 قطعة سلاح، ولم يتم العثور عليها.
في سجون السلطة
كانت هذه الاعترافات سببا مباشرا في تعرض الشيخ للاعتقال في سجون السلطة، فكان أولها في نهاية التسعينات في سجن مخابرات، كما اعتقلت السلطة أخوته أكثر من مرة من باب الضغط عليه، وكان أسوء اعتقال ما بعد حزيران 2007م، فيما كان آخر اعتقال له عام 2008م، بشكل وحشي.
وفي فترة الاعتقال الأخيرة، اتصلت أجهزة السلطة بأهله وأبلغوهم بأن زهير قد مات بالتحقيق وهو موجود في منطقة مليئة بالأشجار ومصانع الحجارة، وبكى أهله ساعات طويلة وهم يبحثون عن جثته، فيما تبين أنه مازال في التحقيق، وكان ذلك الاتصال من باب الانتقام من أهله.
ولم تقصر السلطة على اعتقال الشيخ ومضايقة عائلته، بل اقتحمت بيته عشرات المرات وتم تحطيمه، بحجة البحث عن السلاح، كما صادرة جميع أمواله في أخر اقتحام لبيته قبل اعتقاله الأخير لدى الاحتلال، كما قاموا بمصادر الأموال الموجودة في جيوب أبنائه، وصادروا جميع المال والممتلكات من داخل بيته، والعجب في ذلك أن الشيخ كلما سمع بمضايقات السلطة لأهله كان يبتسم ويقول: “المال بروح وبيجي المهم الرجال نحافظ عليهم”.
ولم تتوقف معاناة لبادة مع الاعتقال في سجون الاحتلال فحسب، فقد اعتقل لنحو شهر كامل وتعرض للتعذيب الشديد لدى أجهزة السلطة الفلسطينية، ورغم وضعه الصحي الصعب، بقي لبادة مقيداً في سجن الجنيد، وكان وثاقه يفك فقط أثناء إجرائه عملية غسيل الكلى.
اعتقاله الأخير
اعتقلت قوات الاحتلال لبادة في المرة قبل الأخيرة عام 2008 عندما أمضى 30 شهراً في الاعتقال الإداري، ليفرج عنه عام 2010، وأمضى تلك الفترة في مستشفى سجن الرملة.
ولم يكن حاله في الاعتقال الأخير أفضل من سابقه، فقد أعاد الاحتلال اعتقاله في 7/12/2011، وكان حينها مريضاً طريح الفراش، ما اضطر الجنود إلى حمله على أكتافهم لعدم قدرته على الوقوف.
وبعد اعتقاله مباشرة تم تحويله الى الاعتقال الإداري بموجب ملف سري، إلا أن حالته الصحية أخذت بالتراجع، وبعد أن أيقن سجانوه أنه ميت لا محالة، أخلوا سبيله يوم الخميس الماضي 24/5/2012، لينقل على الفور إلى غرفة العناية المركزة في المستشفى الوطني بنابلس، الذي كان محطته الدنيوية الأخيرة قبل ان ينال شرف الشهادة.
وفي صباح 31/ 5/ 2012 شاء الله سبحانه وتعالى أن يلتحق الشيخ لبادة بقافلة الشهداء ويترك صهوة حصانه لمن يرغب أن يلتقيه.