فضّل النظام الرسمي العربي لأغراض دعائيّة تسمية نكبة العام 1967 بـ”النكسة”. قد يبدو الأمر إرادة لمنع الانكسار المعنوي، بوصف يقصر في دلالاته عن معاني مفردة “النكبة”، من حيث وقع الكلمة، ومن حيث المعنى المستفاد منها تاريخيّاً. فالنكسة والحالة، هزيمة عابرة، بحسب ما أراد هذا النظام القول، من الممكن تجاوزها والنهوض من بعدها، إلا أنّه في الوقت نفسه أراد أن يَفْصل نفسه عن معنى نكبة العام 1948، إذ إنّ شرعيّته في الجوهر، لا سيّما النظام الناصري، وما تبعه في الشكل الثوري والعسكرتاري في الإقليم العربي كلّه، مؤسّسة على نقد النظام “الرجعي” الذي قادت سياساته إلى نكبة العام 1948، هذا التصور لهزيمة العام 1967 كان يحمل في أحشائه إقراراً نهائيّاً بالانتصار الإسرائيلي في العام 1948. بكلمة أخرى، أصبحت “إسرائيل” في وعي النظام العربي، بشقيه “التقدمي والرجعي”، حقيقة نهائية!
انتقل الخطاب الرسمي العربي سريعاً من تحرير فلسطين إلى “إزالة آثار العدوان”، وهو المصطلح الذي تبنّاه العرب جميعاً في مؤتمر الخرطوم الذي عقد في آب/ أغسطس- أيلول/ سبتمبر من العام 1967، أي سريعاً بعد الهزيمة المذلّة، (باستثناء سوريا التي لم تحضر المؤتمر ودعت لحرب تحرير شعبية). وبقدر ما يوهمه الظاهر من وحدة عربيّة مؤسّسة على الهزيمة في هذا المؤتمر، كان الباطن بداية دخول النظام الإقليمي العربي بقيادته الناصرية في “الحقبة الرجعية”، التي انتصرت بانتصار “إسرائيل” في الحرب.
وبالرغم من طول التغنّي بلاءات هذا المؤتمر الثلاث (لا سلام مع “إسرائيل”، لا اعتراف بها، لا مفاوضات معها)، فإنّ البند الذي ساق هذه اللاءات الثلاث، كان منطوقه ومفهومه يربطها بالأراضي المحتلة عام 1967، مما يعني أنّ حقبة التسوية، والالتحاق بـ”الزمن الإسرائيلي”، بدأت من تلك اللحظة.
تسارعت النتائج إلى الظهور في قبول النظام الناصري لمبادرة وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز، التي ظهرت في العام 1969، ثمّ طُرحت رسميّاً في العام 1970، ونصّت على التفاوض المصري الإسرائيلي على أساس القرار 242. لم يكن هذا القرار يتحدّث فقط عن الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وإنما كان ينصّ على “إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب، واحترام واعتراف بسيادة وحدة أراضي كل دولة في المنطقة، واستقلالها السياسي، وحقّها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة، ومعترف بها، وحرّة من التهديد وأعمال القوة”؛ كان قراراً يكرّس “إسرائيل”.