توافق اليوم الذكرى الـ12 لاستشهاد قائد كتائب الشهيد عز الدين القسام في مدينة الخليل نشأت الكرمي برفقة القسامي مأمون النتشة، بعد رحلة مطاردة طويلة انتهت باشتباك مسلح مع مئات الجنود الإسرائيليين وعشرات الآليات العسكرية.
نشأةُ نشأت
ولد الشهيد نشأت نعيم الكرمي عام 1977، مترعرعًا في أكناف أسرة متدينة، كان لها الأثر الطيب عليه ليلتحق بمساجد مدينته طولكرم، وليكون من أبناء الدعوة وجنود حركة “حماس”، فتربى في أسر الإخوان ونهل من منهل العلم والتربية فيها.
كان شهيدنا متفوقًا في دراسته، وحصل على معدل عالٍ والتحق بجامعة البوليتكنك في خليل الرحمن ليدرس فيها الأتمتة الصناعية، وليكون من قادة الكتلة الإسلامية فيها.
أهّلته صفاته القيادية ليصبح رئيساً لمجلس الطلبة بالجامعة، فجعل من عمله النقابي وسيلة لخدمة دعوته وحركته لإيصال رسالتها إلى شباب الأمة الذين هم قادتها ووقودها القادم، سعيًا منه ليكون قد بنى لبنة في دولة الإسلام الموعودة.
الكرمي والاعتقال
اعتقل الشهيد نشأت الكرمي للمرة الأولى عام 1999 وحكم عليه بالسجن لثلاث سنوات بتهمة الانتماء لحركة “حماس” وقيادة الكتلة الإسلامية في جامعته، عاش داخل الأسر يهتم بتطوير نفسه وخدمة إخوانه، فقد ترأس عدة لجان داخل الاعتقال وأبدع في إدارتها.
وما كاد أن يخرج من السجن حتى عاد إليه لثلاثة أشهر إداريًّا، وبعد خروجه بدأ بإكمال دراسته، ولكن كان قدره أن يصاب ويعتقل في (4-5-2004)؛ حيث كان أحد أفراد خلية قسامية ضمّت معه الشهيد القائد إحسان شواهنة، التي خططت لعملية كان ينوي أن ينفذها 4 استشهاديين؛ ثأرًا لاغتيال الشيخ أحمد ياسين.
كان الشهيد الكرمي صلبًا أثناء التحقيق، حتى إن أحد ضباط المخابرات قال له: “أنا متأكد أنك خلف الكثير من العمليات لكنني عاجز عن الإمساك بطرف خيط يُدينك!”، فعرض عليه بعد آخر اعتقال أن يسافر لإكمال تعليمه والعيش بحياة كريمة بعيدًا عن جبال الضفة، فما كان من شهيدنا إلا أنه رفض رفضًا تامًّا القبول بهذا العرض.
مأمون مُطارِد الاحتلال
ولد الشهيد مأمون تيسير النتشة في مدينة خليل الرحمن جنوب الضفة الغربية في العام 1985، وعرف بحسن سيرته، ودماثة أخلاقه، وكرم طباعه، وطاعته لوالديه، واقتدائه بالصالحين ممن نالوا الشهادة من قبل، حتى صنع من شخصيته الأسطورة التي تطارد جيش المحتلين وأذنابهم.
تعرض الشهيد القائد مأمون النتشة للتجربة الاعتقالية لدى قوات الاحتلال؛ حيث تم استخدام كل وسائل التحقيق معه، بينما لم تفلح زنازين الاحتلال ولا وسائله المتعددة في انتزاع الاعتراف من الشهيد القائد النتشة، وبقي صامداً حارساً أميناً لإخوانه حتى أذن الله بانتهاء محنته بعد 3 أشهر من التحقيق القاسي في مركز عسقلان، وتم الإفراج عنه دون إدانته بأي تهمة.
كما اعتقل شهيدنا مرتين لدي أجهزة السلطة أحدهما استمرت 15 يومًا، وأخرى استمرت لمدة 30 يومًا، دون أن تفلح أجهزة السلطة في نزع أي اعتراف منه حول عمله الجهادي.
عملية بطولية
في (31-8-2010) وفي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك وبعد عملية بني نعيم البطولية التي نفذها شهيدنا المجاهد بصحبة رفيق دربه المجاهد مأمون النتشة وقتل خلالها أربعة مستوطنين، بدأت رحلة المطاردة لديهما.
أصبح المجاهدان نشأت ومأمون مطلوبين لقوات الاحتلال ولأجهزة السلطة التي شنّت عمليات اعتقال بحق المئات من أبناء حركة “حماس” بالضفة الغربية، وتمكنت من التعرف على منفذي العملية من خلال الوصول إلى السيارة التي نفذ المجاهدون عمليتهم فيها.
وقد اعتبر الشهيد نشأت المطلوب الأول لسلطات الاحتلال ولأجهزة السلطة، فأصبح مطاردًا برفقة المجاهد مأمون النتشة.
موعد مع الشهادة
خيَّم الظلام على مدينة الخليل ليلة الجمعة (8-10-2010)، فبدد هدوء تلك الليلة اقتحام أكثر من 40 آلية عسكرية مصحوبة بعدد من الجرَّافات، وتحليق مكثف من الطائرات المروحية والاستطلاعية الإسرائيلية، فوق حي جبل جوهر بالخليل، فيما يقارب الثالثة فجرًا، لتطبق على ثلاثة منازل تعود للمواطنين: رضوان الرجبي، وسعدي برقان، وأيوب غيث، قبل أن تفرض عبر مكبرات الصوت، حظرًا للتجول على مجمل الحي.
وجاء عنوان الحملة الإسرائيلية الكبيرة، عبر مكبرات الصوت: “نشأت الكرمي.. سلِّم نفسك.. المكان محاصر”، ولم يطل الجواب على طلب الاحتلال، فهتف به القسَّاميان المطلوبان للاحتلال نشأت نعيم الكرمي (34 عامًا)، ومأمون النتشة (25 عامًا)، بتكبيرات مدوِّية شقَّت عتمة الليل.
بدأت بعدها معركة شرسة، بين البطلين القساميين وبين جيش الاحتلال بكامل عدته وعتاده، قام خلالها الاحتلال بقصف المنزل بالأسلحة الرشاشة وقذائف “اللّاو”، وتقدمت نحو المنزل جرَّافات الاحتلال المصفَّحة، وبدأت بهدم أجزاء منه، واستمر الاشتباك لأكثر من خمس ساعات، لم تصمت خلالها رشاشات القسَّام، ويرتقي على إثرها القسامي مأمون النتشة أولاً.
فيما استمر نشأت بمقاومته، حتى ساعات الصباح الأولى، لينتهي الاشتباك فيما يقارب الثامنة والنصف صباحًا، بعد أن أُصيب نشأت بإحدى عشر رصاصة واحدة في وجهه والبقية منتشرة في جميع أنحاء جسده.
وقد استطاعت مجموعة من شبان الخليل، التسلُّل من خلف المنزل، وسحب جثماني الشهيدين الكرمي والنتشة، ونقلوهما إلى “مستشفى المحتسب”، تمهيدًا لتشييعهما، بعد انسحاب الاحتلال.