ستة رؤساء امريكيين ، من مؤتمر مدريد عام 1991 إلى اليوم ، تعهدوا لمحمود عباس بقيام دولة فلسطينية، وكان اخر الستة جون بايدن الذي تحدث عن دعمه لقيامها..فهو أسمع محمود عباس الكلام الذي يحب أن يسمعه رئيس السلطة..
لكن ، لا بايدن مقتنع ولا عباس مصدق..
اللافت ان بايدن كان في منتهى الصراحة مع عباس ، قال له كلمات ، لكنها ليست كالكلمات ، هي توصيف دقيق للواقع وتحديد لملامح لا بل خصائص المرحلة القادمة..
افهم بايدن عباس ..فهل فهم الأخير ؟؟
زيارة بايدن لعباس كانت عبارة عن مجاملة ، زيارة المضطر..بايدن بعد تسلمه الرئاسة لم يلتفت للقضية الفلسطينية و لم يقدم التسهيلات المطلوبة لها ، وتأخر في الاتصال بمحمود عباس عدة اشهر.
لكنه مضطر للقاء به طالما هو يزور المنطقة.
اللقاء كان في بيت لحم ، ليس في رام الله ، العاصمة السياسية للسلطة ومقر رئيسها..انه اشبه باستدعاء وعدم اعتراف.
في كلمته قال بايدن ل عباس :
حل الدولتين بعيد المنال.
هناك قيود على الفلسطينيين.
الشعب الفلسطيني يشعر بالحزن.
لكن في الاتفاق الامريكي الإسرائيلي الموقع ، جاء ما هو أخطر من ذلك :
(على السلطة مناقشة الفرص مع الإسرائيليين..).
ما بين السطور ، حدد بايدن الموقف الامريكي بالتالي :
1..القضية الفلسطينية ليست أولوية طوال عهد بايدن.
2..إدارة بايدن ليست في وارد تحريك عملية التسوية .
3..إدارة بايدن ليست في وارد التحدث مع الاسرائيليين في مطالب السلطة ، ولا في الضغط على حكومة يمينية مشرذمة ضعيفة مقبلة على انتخابات مبكرة.
تجاهل بايدن في كلماته أمام الإسرائيليين والسلطة حقوق ومطالب الشعب الفلسطيني.
وتجاهل مطالب محمود عباس الأربعة:
1..أمد يدي لتحقيق سلام الشجعان.
2..فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية.
3..إزالة منظمة التحرير الفلسطينية عن قائمة الارهاب.
4..إنهاء الاحتلال والتمييز العنصري ووقف الاستيطان وعنف المستوطنين.
لم يتحدث بايدن عن الاستيطان وخطر المستوطنين ، ولا عن مدينة القدس والتهديدات ضد المسجد الأقصى، ولا عن الممارسات الإرهابية الإسرائيلية في الضفة وغزة.
هناك عدد من العوامل يجب التوقف عندها من خلال زيارة بايدن ومواقفه :
1..اعلان تجميد عملية التسوية والمفاوضات بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال إلى أجل غير مسمى..
فالظروف الإسرائيلية المحلية والوضع الاقليمي والدولي لا يسمحان بذلك.
وهذا يطرح علامة سؤال عن دور السلطة الفلسطينية في المستقبل ومهامها الوظيفية ، وقدرتها على الصمود والبقاء ، وانعكاس ذلك على المجتمع الفلسطيني والحوار الوطني الفلسطيني الداخلي.
2..سعى بايدن وتعهد بادماج الكيان الصهيوني في المحيط ، هذا يعني تعاون اسرائيلي عربي اكبر وانفتاح أكثر، وارتباط متبادل بقضايا استراتيجية..
وهذا يعني في المقابل مزيد من التجاهل للقضية الفلسطينية ولمكانة السلطة الفلسطينية ودورها.
3..لقد استبعد بايدن السلطة الفلسطينية من كل اللقاءات الإقليمية، اثناء جولته ، واستبعدت السلطة الفلسطينية كذلك في الفترة الأخيرة من كل اللقاءات الإقليمية في مصر والاردن والبحرين والامارات والسعودية.
4..كيف ستكون العلاقة مستقبليا بين السلطة الفلسطينية وباقي مكونات المجتمع الفلسطيني ، طالما هناك فجوة سياسية هائلة بين قوى المقاومة والسلطة ، وطالما كانت المواقف الشعبية أقرب إلى هدف الوحدة الوطنية ومقاومة الاحتلال. وهو ما رفضته السلطة..
5..مع استعادة جهود قوى المقاومة في السعي لإنجاز وحدة وطنية فلسطينية حقيقية وإصلاح داخلي وانتخابات شاملة وتوافق سياسي ، فإن السلطة الفلسطينية اليوم تقف أمام الحقيقة أكثر من أي وقت مضى..
هذا ما تقوله الوقائع المحلية والاقليمية والدولية : لا مفاوضات ولا دولة .
السلطة الفلسطينية تأسست لا بل هي نتاج عملية التسوية..كيف سيكون مصيرها اذا انتهت هذه العملية..
السلطة الفلسطينية تتآكل وتتصدع ، الشعب الفلسطيني في كل مكان يهتف للمقاومة وقيادتها..نتائج الانتخابات الطلابية والبلدية ليس في صالحها..الصراع على خلافة عباس يحتدم..علاقاتها العربية والدولية مهمشة..
عمليا : السلطة الفلسطينية في وضع الجمود القاتل ، لقد دفن بايدن عملية التسوية ونعى قيام الدولة ، لذلك بقي أمام السلطة خياران : البقاء جهاز عمالة امنية للاحتلال ، أو القفز فوق الواقع السياسي.؟؟