قلنا في مقالات سابقة إن التطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني سيضر بالدول العربية المطبعة فضلا عن إضراره بالقضية الفلسطينية. وقلنا إن أجهزة أمن الدول المطبعة ستكتشف تباعًا مظاهر هذا الضرر المتنوع الأشكال، والمتزيي بأزياء البهلوان.
في بعض هذه الدول ألقوا القبض على شبكات تجسس للموساد، بها عملاء من أبناء هذه الدول. وألقوا القبض على شبكات تهريب حشيش ومخدرات، ونشرها بين أبناء وبنات هذه الدول. وألقوا القبض على شبكات لنشر الفاحشة والرذيلة، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحدّ وهذه المظاهر، بل إنه يتعداها لأمور لا يمكن أن يتخيلها جيدًا إلا الفلسطينيون الذين ابتلوا بالاحتلال، والعيش داخل حدود فلسطين 1948م.
من هذه الأضرار والمفاسد غير المتوقعة تدخل اليهود وتدخل الإسرائيليين في دين المسلمين وصلاتهم ودعائهم لتكييف الخطاب الديني الإسلامي بحسب مزاجهم المنحرف والعنصري مع انحرافاتهم، فمن المعلوم للجميع أن من أصول الدين وثوابته الدعاء على المشركين والملحدين، والكافرين، والمحتلين لأراضٍ وبلاد المسلمين، (وإسرائيل واليهود) واحدة من هذه الأصناف التي أهانها الشارع الحكيم، ودعا عليها المسلمون جيلًا بعد جيل، ليس كراهة في اليهودية كدين، ولكن رفضًا لأعمال من ينتسبون لليهودية وهم مشركون، وصهاينة قوميون يعتدون على المسلمين وفلسطين ويحتلون أرضهم، ويبثون الفساد بينهم، وفي العالم.
خطيب المسجد الحرام الشيخ صالح حميد دعا في خطبة الجمعة على المشركين، والملحدين، ودعا على اليهود، قائلًا: (اللهم عليك باليهود المحتلين). هذا ما قاله فحسب، وهو ما يقوله المسلمون عادة منذ احتلال اليهود الصهاينة لفلسطين. أي لا جديد في دعاء الشيخ صالح، ولا افتراء فيه على أحد، وهو في الدعاء ينفذ تعاليم الإسلام التي ينفذها المصلون في كل دول العالم.
وعليه أسأل لماذا قامت عليه الصحف العبرية في (إسرائيل)، وكذا وسائل التواصل الاجتماعي التي تتحرك بأوامر المخابرات، مطالبين المملكة بالاعتذار، وبإقالة الشيخ صالح من الخطابة في الحرم المكي؟! هذا التدخل السافر في دين الإسلام، وتحديد ما يجوز أن يقال في الخطبة والدعاء، وما لا يجوز أن يقال هو واحدة من مخرجات التطبيع الضارة.
إن مطالب (إسرائيل) من الدول المطبعة معها لن تقف عند التدخل في شأن الدين، ولا عند التدخل في شؤون التعليم والكتب المدرسية، بل سيتجاوز هذه إلى آفاق أبعد، وصفها القرآن بقوله: “ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم”. لن يترك اليهود الدول المطبعة معهم حتى يحوزوا نسبة عالية من الأفراد تتبعهم في ملتهم أو تقلدهم بشكل أو بآخر.
إن دعاء الشيخ صالح حميد خطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة يستحق الاحترام والتقدير، لأنه لم يخرج عن الهدي القرآني، ولا الهدي النبوي قيد أنملة، بل هو امتداد لما فعله خطباء المسجد الحرام، ومساجد المسلمين الأخرى، ومن حق المغردين المسلمين أن يدافعوا عن الشيخ صالح، ويردوا هجمة الصهيوني الحاقدين عنه، حتى تتوازن الكلمات والمواقف في وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى لا يتحقق لليهود المحتلين هدفهم من إخافة الغير، والتدخل في دين الإسلام وفي صلاة المسلمين وأدعيتهم وهم بين يدي الله. ثم إن المسلمين يدعون عادلا حكيما.