بدى جليا بأن الاحتلال يعيش في حالة “ارتباك عميقة” نتيجة تصاعد العمليات في الضفة الغربية ضد الجنود والمستوطنين، خصوصا أن نشاطه العدواني في كافة مناطق الضفة سواء في القرى والمدن والمخيمات لم يؤدي لخفض نشاط العمليات الفدائية، على الرغم من أنه وعلى مدار الساعة يتحرك في كافة الاتجاهات لمنع وقوع عمليات إضافية والقضاء على كل “العوامل والأسباب والظروف” التي يعتقد أنها سببا في وقوع العمليات ضده بما في ذلك استهداف وسائل التواصل الاجتماعي، ومراقبة الاتصالات، وتنفيذ اعتقالات احترازية، وتصفية العديد من النشطاء، ومصادرة الأسلحة والأموال، وإغلاق جمعيات ومؤسسات، وفرض قيود متعددة على التنقل والحركة وإغلاق الكثير من المناطق، وتعزيز مختلف المناطق بقوات وفرق إضافية، إضافة الى رفع وتيرة التنسيق والتعاون الأمني مع أجهزة السلطة.
وبالتوازي مع ذلك يحاول دعم السلطة وتعزيز دورها وبالتحديد الأجهزة الأمنية من خلال الموافقة على حصولها على موازنات إضافية من خلال عدد من الدول الممولة والسماح بحصولها على معدات وأجهزة ومركبات تؤدي لرفع كفاءتها في تنفيذ المهام الخاصة بتتبع نشطاء المقاومة وملاحقتهم وإفشال أي محاولات لتنفيذ عمليات إضافية، وفي ذات السياق يسمح أيضا بتنفيذ العديد من المشاريع التنموية المحدودة ويقدم حزم من التسهيلات والتحسينات للسلطة الفلسطينية لتحقيق العديد من الأهداف التي تنسجم مع رؤيته الأمنية وذلك بغرض: 1_خفض التوتر ومنع التصعيد وخلق بيئة مختلفة في الضفة الغربية، 2_إشغال الشباب الفلسطيني وتوفير فرص جديدة لتحييد الكثير منهم عن الانخراط في أي أعمال مناهضة للاحتلال، 3_دعم وتعزيز دور السلطة ومنع انهيارها، 4_إفشال أي محاولة لتفجير الأوضاع في الضفة ومنع وقوع انتفاضة عارمة.
لكن وعلى الرغم من كل ذلك فإن (النتائج صفرية) والاحتلال حتى الآن يفشل وبشكل ذريع في تحقيق أهدافه والتي تلخصت بالنشاط الأمني أو المسار الاقتصادي، ومخاوفه تزداد مع كل ساعة لأن الإنذارات الساخنة لم تتوقف، وحرارة الضفة الغربية آخذة بالارتفاع، والتقديرات تشير بأن القادم أسوأ وربما “تقع الكارثة” في أي وقت والتي سيكون إحدى صورها انخراط قطاعات واسعة من أبناء شعبنا في عمل مسلح ينطلق من كافة مناطق الضفة والتي ستكون شرارة البدء لإشعال مناطق أخرى، والتي ستكلف الأمن الإسرائيلي ثمنا باهظا سيعيد الاحتلال إلى المربع الأول ولن يكون قادر على التعاطي مع “موجة بل تسونامي” من العمليات التي ستضرب في كل اتجاه.
وحينها سيدرك العدو أن مراهنته على أجهزة السلطة وتعويله على التنسيق الأمني كان (رهان فاشل) وأن كل خططه التي رسمها تبخرت مع انطلاق أول عملية كبرى ينفذها عدد من الفدائيين في أكثر المناطق حساسية وخطورة، وأظن أن الاحتلال بدأ بالفعل في تغيير قناعاته سواء في جدوى خططه واستراتيجيته الحالية في التعاطي مع الأحداث أو في أداء ودور أجهزة السلطة الأمر الذي جعله أكثر قلقا وارتباكا من المصير المجهول الذي ينتظره، وهذا ما خلق “حالة من التلاوم” داخل كيان الاحتلال بين المستويات السياسية والأمنية حول أسباب الإخفاق في مواجهة تصاعد العمليات المنطلقة من الضفة والقدس وال48، فضلا عن تحميل السلطة المسؤولية المباشرة عما يجري بسبب عجزها وفشلها في وضع حد لهذه العمليات على الرغم من كل ما تقوم به لمواجهة أي عمل مقاوم.
هذا يعيدني إلى ما قاله مؤخرا المختص بالشأن العربي في القناة 13 العبرية تسفي يحزقيلي؛ “بأن الجيش والأجهزة الأمنية لن تنجح في وقف هذه الظاهرة، وأن الأمر يتعدى الحديث عن انتفاضة أو موجة من العمليات لأننا نرى بأن عمليات المقاومة مستمرة منذ مئة عام، وأن ما يحدث ليس بالأمر الجديد، لكننا نرفض الاعتراف بالأمر الواقع لأن ما يحدث يدل على أن هناك إرادة وطاقة لدى الجمهور الفلسطيني خصوصا في جنين ونابلس، مؤكدا بأن السلطة تستفيد من “التنسيق الأمني” والجيش يبذل جهود مهمة للحفاظ على سلطة عباس، وأن السلطة تحصل على ميزانيات ومبالغ كبيرة من عمال الضفة مقابل عملهم في (إسرائيل)، وختم قائلا: إذا أردنا وقف العمليات فيجب علينا القيام بعملية واسعة لإثبات قدرتنا وتفوقنا أمام التنظيمات الفلسطينية”.
وهذا ما يخشاه الاحتلال لأن أي عملية واسعة النطاق في الضفة الغربية سيكون لها ثمن كبير وهذه ليست مبالغة؛ لأن اتخاذ الاحتلال قرارا باجتياح كافة القرى والمدن والبلدات في الضفة سيؤدي لتفجير الأوضاع في الضفة الغربية، وربما يؤدي لانهيار السلطة وسيجلب موجة جديدة من العمليات ولن يجنب العدو خسائر محتملة سواء في صفوف جنوده أو مستوطنيه، وسيخلق بيئة مناسبة لاستعادة دور المقاومة بشكل غير مسبوق، ليس هذا فحسب فإن فصائل المقاومة لن تتردد في خوض معركة جديدة لمنع الاحتلال من الاستفراد بالضفة الغربية إذا ما قرر تنفيذ عملية واسعة النطاق، وحينها سيكون أمام موقف صعب فبدلا من تهدئة الضفة يكون أشعل كافة الأراضي الفلسطينية وجلب على نفسه كارثة لا يستطيع تحمل تداعياتها وكلفتها الباهظة.