قد تكون دولة الجزائر الشقيقة هي من أكثر الدول -إن لم تكن الأولى- التي تحظى بثقة الشارع الفلسطيني بل وبثقة قادة الفصائل وخاصة المقاومة منها، إذ إن الجزائر -حكومةً وشعبًا- تقف مع الفلسطينيين وقضيتهم، وهي أكثر الدول العربية وفاء بالتزاماتها المالية تجاه السلطة الفلسطينية إلى جانب دولة قطر، كما أنها ليس لديها أطماع أو أهداف خاصة بها عند استضافتها لحوار المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وذلك استكمالا لما بدأته مصر مرورا بما تم في الدوحة ولبنان، وهذه المميزات تجعل المضيف بريئًا جدًّا من أي عرقلة قد تحدث للمصالحة.
السلطة الفلسطينية تقف عاجزة وغير قادرة على تحريك مسار أوسلو للتسوية، دولة الاحتلال تخنقها وترفض التفاوض معها بل وترتكب كل الجرائم وعلى رأسها عملية تهويد القدس والاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، بعد أيام للسلطة كلمة في الأمم المتحدة ومن المفترض أن يُعلن تنفيذ قرارات المجلس المركزي والتي منها سحب اعتراف المنظمة بالكيان الإسرائيلي ويُعلن وقف التنسيق الأمني وقرارات أخرى ذات صلة، ونحن غير متفائلين أن يتم الأمر على هذا النحو بل نتوقع من السلطة البحث عن سلم ينزلها عن الشجرة التي صعدتها وذلك بالخروج بصيغة جديدة لتهديد الكيان الإسرائيلي ولكن دون ضغوط حقيقية تستدعي إجراءات ضدها سواء من قبل (إسرائيل) أو من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
إخلاص الجزائر في جهودها لتوحيد الصف الفلسطيني والمأزق غير المسبوق للسلطة الفلسطينية مع شركائه في “السلام الكاذب” يستدعي نجاح المصالحة كمخرج وحيد للفصائل وللشعب الفلسطيني من مرحلة التيه التي دخلها، وبالتالي تكون هذه الفرصة الأخيرة لأن ما لم تقدر عليه الجزائر في هذه الظروف لن تقدر عليه دولة أخرى.
أنا غير متفائل من نجاح جهود الجزائر، لأن حركة فتح ما زالت متمسكة بشروطها القديمة ولم تغير ولم تبدل، إذ أكد أحد الناطقين باسمها أنهم ذاهبون إلى الجزائر بقلب مفتوح ولكن على حماس أن توافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية تعترف بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير وتكون أكثر قبولًا لدى المجتمع الدولي، وهذا يعني شروطًا تعجيزية لأن شعبنا الفلسطيني وليس حماس فقط يرفض برنامج منظمة التحرير القائم على الاعتراف بشرعية الاحتلال، ولأن شعبنا الفلسطيني لا يهمه المجتمع الدولي الذي يريد تجريدنا من وطننا ومن حقوقنا وثوابتنا، كما أن أكثر من نصف شعبنا لم يمنح ثقته لمنظمة التحرير أو برنامجها السياسي في آخر انتخابات تشريعية، فلم يحاولوا فرض رأي الأقلية على الأغلبية؟ من يريد أن يفرض رأيه عليه بصناديق الاقتراع حسب التوافق الفلسطيني دون ربطه بالاستئذان من دولة الاحتلال (إسرائيل) والتذرع بالانتخابات في القدس.